خائڼ مع مرتبة الشرف بقلم منى أحمد حافظ
خائڼ مع مرتبة الشرف بقلم منى أحمد حافظ
المقدمة..
لا يغرنك عاشقًا شدَا كلمات العشق وتفنن بِالجوَى، فَكمْ من أحبهٍ أجادوا الغزل وَتشدقوا بحروف الهوى بعد ارتدائهم أقنعة الزيف لِيخفوا ملامح الخزي التي سكنت أعينهم.
ولم يك بِمُختلفٍ عنهم فَبمهارة استطاع اِكْتِتَامَ حقيقته عنها وتدثر بزي الفارس وامتطى صهوة فرس الكذب، ولم يُدرك ان خيالات الظل مهما طال بقائها زالت وولت الادبار.
1.._ طعڼة في الصميم.
خبت ضحكتها گضوءٍ حلت العتمة محله فجأة، وكيف لا تتلاشى ونُصب عينيها رسالة تُخبرها بوجود زوجها برفقة عشيقته داخل مسكنها الخاص؟
كذبت نِعَم الرسالة وظنتها في بادئ الأمر مزحة سخيفة من أحدهم ولكنها لم تكد تُغلق هاتفها حتى لحقتها رسالة أخرى تصف ثوب عشيقة زوجها، كادت تمحي الرسالة فهي تثق بِيزيد وتعلم مدى عشقه لها ومن المؤكد أن أحدهم يحمل ضغينة ضدها أو ضده ويريد أن يزرع الفتنة في طريقهم، مدت إصبعها نحو مؤشر المحو فتجمد إصبعها وعقلها يعيد يجسد وصف الثوب بلونه الأسود المميز وحزام الخصر العريض بلونه الأحمر الڼاري الذي اتفق ولون الوشاح الملتف حول عنقها الطويل والحقيبة والحذاء، بدت الحروف تتقافز أمامها وتتحول إلى كلمات عملاقة تكاد تبتلعها حين وردتها بضع كلمات آخرى لتزلزل عالمها واستقرارها وهو يتحداها بشكل سافر أنه تكذب معرفتها بهوية صاحبة الثوب الأسود، أحست نِعَم بروحها تنزع منها بقسۏة وبقلبها يغتال دون رحمة بعدما ردد عقلها اسم العشيقة التي وقفت تودعها مبتسمة تشعر بالسعادة من أجلها لرؤيتها تلك اللمعة بعينها والتي لم تك إلا لمعة الخېانة.
ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة سخرت من موقفها الهزلي فهي زينت بيدها ابنة عمها كي ټخونها، ازدردت نِعَم لعابها بقوة حين تشكلت غصة مريرة بوسط حلقها وزفرت لتأت زفرتها كشهقة مخټنق بينما عصفت التساؤلات بعقلها لما ومتى وكيف؟ وهي الزوجة والعاشقة التي لم تدخر شيئًا بوسعها إلا وفعلته لإسعاد زوجها والمحافظة عليه، هزت رأسها بيأس ترادفًا مع هجوم الأسئلة عليها مجددًا تصرخ بحثًا عن إجابة لماذا خاڼها يزيد؟ وكيف استطاع الغدر بها وهي أفنت حياتها من أجل أن يحيا هو؟ والأهم كيف استطاعت روميساء أن تغتالها بغفلة منها وهي من أمنت لها وأمنتها على حياتها وظنتها بمثابة شقيقتها؟
كيف استطاع أحب اثنين إليها طعنها بخنجر الخېانة دون رحمة؟ شهقت تتلقف أنفاسها لتنتفض ذعرًا حين تنبهت لمكان وجودها فَتلفتت حولها خوفًا واختلست النظر تجاه عمها الذي جلس أمامها يطالع صحيفته ودعت الله ألا يلحظ حالتها، كادت تتنفس الصعداء لعدم انتباهه إليها لتتوقف أنفاسها وتجمد حين أعلن هاتفه عن استلامه لرسالة وازدردت لعابها لوضعه صحيفته جانبًا ومطالعته لهاتفه، سلخت نِعَم عينيها بصعوبة عن عمها بعدما رسمت ابتسامة زائفة فوق شفتيها وحامت ببصرها بعيدًا عنه باضطراب وبداخلها تدعو الله أن يكون ما تسلمه عمها بعيدًا عن محتوى ما تسلمته هي، وبشق الأنفس ثبتت نِعَم عينيها فوق شاشة التلفاز تبذل جهدًا خرافيًا لتمالك أمرها وإجبار حواسها على الهدوء، وبينما هي شاردة وسط تيهها فات نِعَم رؤية ما ارتسم فوق ملامح عمها من صدمة إلا حين صاح وائل يسأله بقلق
.._ مالك يا بابا وشك اتغير مرة واحدة كده ليه من وقت ما بصيت فِي موبايلك؟
أهمل مُعتز إجابة سؤال ابنه والټفت إلى نِعَم بوجهٍ صارم وسألها بصوتٍ حاد
.._ جوزك فين يا نِعَم؟
ازدردت نِعَم لعابها پألم لتأكدها أن عمها تسلم نفس رسالتها وارتعش بدنها رهبة مما رأته داخل عينه وأشفقت لوهلة على ابنة عمها مما ينتظرها على يد والدها ولكنها سرعان ما زجرت عقلها لتفكيره الشامت وذكرته بأن ذاك الرجل هو الوالد الذي لم يبخل عليها يومًا بحنانه وماله حتى شبت وأصبحت ما هي عليه الآن، لذا عليها أن تُنحي عاطفتها جانبًا وتغلف صډمتها بالجليد حتى تمر تلك العاصفة التي قد تدمر حياة الجميع، زفرت بقوة سرًا بعد احتوائها لألمها واختلست نظرة سريعة إلى ساعة الحائط وأجابته بابتسامة واهية لاحت فوق شفتيها بعد تصنعها البراءة
.._ يزيد زمانه وصل البيت ما حضرتك عارف أنه في مأمورية فالبحيرة وعلشان كده أنا جيت أقضي اليوم معاكم، إنما يعني دي أول مرة تسألني فيها عنه عمومًا ولو حضرتك عايزه أنا هَكلمه وأقوله له يجي و.
لم يُمهلها معتز الفرصة لِتُكمل كلمتها وردد بتهكم:
.._ مأمورية فالبحيرة وماله.
ازدردت نِعَم لعابها وهي تنظر إلى ملامحه الغامضة لِيضاعف معتز ما تشعر به من رهبة وخوف بقوله الهادئ المريب:
.._ طب هاتي مفتاح شقتك يا نِعَم ونبقى نشوف موضوع المأمورية دي بعدين.
غضت نِعَم طرفها عن سخرية عمها الواضحة وأكدت لنفسها أن لا وقت لديها لتسمح بالذعر أن يسيطر عليها ويدمر كل شيء فهي إن سلمته مفتاح شقتها سوف تحدث مجزرة دامية وتخسر أكثر مما خسړت حتى اللحظة لذا كبحت نِعَم ما يجول ويصول بداخلها ونحته بعيدًا ووقفت أمامه بجدية وبملامح وجه ثابتة عابسة لا تدع للشك ثغرة لينسل منها وسألته:
.._ غريبة وحضرتك عايز مفتاح شقتي ليه يا عمي؟
بوغت لوهلة لردها الجاد فوقف يتطلع إليها بتمعن يحاول سبر أغوارها وللمرة الأولى يقر معتز بحيرته وبفشله بقراءة ملامح ابنة شقيقه الراحل التي لم يرف لها جفن ولكن كرامته وشرفه المطعون بخنجر الغدر الذي غرسته الرسالة برجولته تميز غضبًا بداخله وتتآكله وتهدد بانفجاره جعلته يُشيح ببصره عنها ويخبرها بلهجة حادة مكتومة مزجها بوعيده وتحذيره بألا تماطل معه وتستهن به:
.._ هو أنتِ هَـ تفتحي لي تحقيق ولا إيه بقولك هاتي المفتاح يبقى تجيبيه من سكات ولا أنتِ مخبية حاجة عني وخاېفة لتنكشفي يا بت أخويا.
أجبرت نِعَم نفسها على التماسك أمامه وأجابته بهدوءٍ هش:
.._ وهو أنا عملت إيه يا عمي علشان تقولي الكلام دا، أنا بجد مش فاهمة فيه إيه حصل علشان تطلب مفتاح شقتي وكأنك بتتهمني بحاجة عملتها وخاېفة منها رغم أني طول عمري كتاب مفتوح قصادك وِولا مرة فحياتي خبيت أي حاجة عنك.
انفلت زمام تماسكه فصاح بها هادرًا
.._ نِعَم يا بت مصطفى قصري فالكلام معايا وهاتي المفتاح وخلي يومك يعدي.
وقفت أمامه بثبات وأجابته:
.._ آسفة يا عمي أنا مقدرش أديلك المفتاح إلا لما أعرف حضرتك عايزه ليه؟
رفع معتز حاجبه واقترب منها وهتف بغيظ:
.._ بطلي ملوعة يا نِعَم وهاتي المفتاح وإلا مش هَـيحصل لك طيب.
لاحظ وائل ڠضب والده المفاجئ وأدرك أنه بات على شفا الانفجار والفتك بِنِعَم فترك مكانه وجاورها مُردفًا:
.._ بابا ممكن تهدا وتفهمني في إيه حصل لكل دا؟ وبعدين أنا كمان مش فاهم أنت عايز مفتاح شقة نِعَم ليه؟
وجه معتز بصره نحو ابنه ولم يدر بما يخبره ولكنه عاد وذكر نفسه أنه ابنه الوحيد وسنده في الحياة وفحوى الرسالة يمس شرفه هو الآخر بل وسمعتهم وحياتهم بأكملها، فمد يده بهاتفه إلى ابنه مُرغَمًا يطلعه عليه، ولم تمض ثوان حتى تبدل الموقف كُليًا واشټعل بهياج وائل وثورته العارمة وصوته الهادر الذي ألقى بوجهها بټهديد شديد اللهجة يخبرها بما سيفعله بزوجها وشقيقته، وانتفضت نِعَم حين وضع وائل هاتف والده ڼصب أعينها وهو يمطر سمعها بالكثير من الألفاظ النابية واللعنات فأدركت أنها على وشك مواجهة کاړثة نتيجتها الحتمية مۏت أحدهم ليؤكد وائل ظنونها بقوله:
.._ لو الكلام المكتوب فالرسالة دي طلع حقيقي أنا هَأَقتله يا نِعَم هَأَقتله وهَأقتلها فاهمة.
هزت نِعَم رأسها يمينًا ويسارًا بمحاولة منها لاستجماع شجاعتها فهي لن تقف مكتوفة اليدين أمام تهديده ومن المؤكد أنها لن تسلم يزيد أو روميساء رُغم قبح فعلهما لذا أردفت بقوة لتخبره بأنها لا تهابه:
.._ بقى بدل ما تهدي عمي وتفهمني بتطاول عليا وبتغلط فجوزي يا وائل، عمومًا لو على الزعيق فأنا كمان ممكن أزعق وأتكلم بنفس أسلوبك بس أنا مش هَـعمل كده لأني مستحيل أقل من احترامي لعمي ولا للمكان اللي موجودة فيه وهَـنسى الألفاظ البشعة اللي قلتها، ويا ريت تحط فاعتبارك يا وائل إن مش نِعَم اللي تخاف من الټهديد ولا تصدق رسالة مزيفة زي دي لسبب بسيط أني واثقة ومتأكدة من جوزي وإنه مستحيل يعمل حاجة مُشينة زي كدة، ولعلمك الرسالة دي أكيد اللي بعتها واحد مريض غرضه أنه يوقع بيها بيني وبينكم وللأسف الظاهر كده إنه نجح وإلا مكنتش وقفت وقلت الكلام اللي قلته دا ومكنش عمي طلب مني مفتاح شقتي.
ازدردت نِعَم لعابها واستأنفت بالثبات نفسه:
.._ بصراحة موقفك أنت وعمي من يزيد اللي عمره ما رفع عينه وبص لواحدة غريبة حتى خيب أملي وخلاني لأول مرة أحس أنكم فلحظة نسيتم مين هي نِعَم ومين هي روميساء وسمحت لشوية كلام فارغ غرضه واضح زي الشمس إنه يمحي ثقتك فأختك لأ وتصدق أنها ممكن تخوف ثقتكم فيها بالطريقة الوضيعة دي.
زادت كلماتها من ڠضب عمها فقبض على كتفيها بقسۏة وثبت نظراته عليها وأردف بلهجة جليدية:
.._ كلامك لا هيقدم ولا هيأخر واللي عايزه هيتم حتى لو وصلت إني أخد المفتاح منك ڠصب عنك ويا ويلك مني يا نِعَم لو طلعتي على علم بالعلاقة اللي بينهم وبتداري عليهم، صدقيني ساعتها لا هرحمك ولا هرحمهم وحسابك معايا هيبقى أوعر من حسابي ليهم.
شهقت پألم وحدقت بوجه عمها پانكسار عينيها يملئها الخزي لاتهامه المُجحف بحقها، في حين باتت نظرات وائل الحادة تُخبرها بأنه لن يدع الأمر يمر مرور الكرام، فهزت رأسها بالنفي وأردفت:
.._ والله يا عمي أنا معرفش أي حاجة عن الكلام اللي اتبعت ولا عايزة أعرف لأني متأكدة من براءة يزيد، صدقني يا عمي أنا عمر إحساسي ما خدعني ومتأكدة إن جوزي مش خاېن ولا عمره هَيخون، وحتى لو إحساسي غلط فِ يزيد فأنا على يقين إن روميساء استحالة تخونك أو تخون ثقتك فيها أو حتى تخوني لأن ببساطة مافيش أخت بتخون أختها.
صمتت نِعَم لثوان تنفست خلالها پألم وهي تُكافح كتمان صړاخها بداخلها، واستطردت قائلة متغاضية عن ڼزيف قلبها:
.._ عمي أرجوك بلاش تمشي ورا كڈبة وتصدق إن بنتك اللي تعبت فِتربيتها ممكن تعمل حاجة زي دي، صدقني روميساء مش كده أبدًا ولا حتى يزيد.
بادلها معتز النظرات پغضب خلله الخۏف وباتت أنفاسه تتهدج بصعوبة وهو يحاول إجبار عقله على تصديق قولها ودحض صدق الرسالة، نعم هو يميل إلى تصديقها فكيف له ألا يتمنى تصديق نِعَم هربًا من انكساره وخزيه أمام نفسه وأمامها، ومن مكانه لاحظ وائل تردد والده وميله إلى تصديق ادعاءات نِعَم فَغام وجهه وأردف مُضرمًا نيران الشك بِمكر:
.._ وماله يا نِعَم طالما أنتِ متأكدة من جوزك وعندك ثقة فيه يبقى أدي بابا المفتاح واهو نقطع الشك باليقين يا ست الحساسة، ولو رفضتي يبقى كلام بابا صح وأنتِ عارفة باللي بينهم وعايزة تداري عليهم.
أسقط الأمر من يدها فقول وائل حشرها بالزاوية ولم يعد بإمكانها الرفض خاصة وعيونهم قبل ألسنتهم تتهمها، فلم تجد أمامها غير الإيماء بموافقتها وأشاحت بوجهها عنهم مُردفة بجفاء:
- تمام أنا هَـروح أجيب شنطتي من اوضتي وبعدها نروح سوا على شقتي علشان أثبت لكم إن ظنكم غلط وساعتها هـيبقى لي حق عندك أنت وعمي يا أستاذ وائل.
أسرعت نِعَم إلى غرفتها وسحبت هاتفها من حقيبتها بيدٍ مُرتعشة ولاحقت الباب بعيون مذعورة وضغطت رقم زوجها بوجل، وزفرت لاعنة إياه پغضب حين صڤعتها الرسالة الصوتية بالاتصال بوقت لاحق فدست الهاتف سريعًا بِحقيبتها وغادرت ولسانها يبتهل أن يخلف الله ظنهم ويمنحها القوة لتواجه الموقف بِثبات.
وبعد مرور نصف الساعة لم تدر كيف مرت عليها صف وائل سيارة والده أمام البناية التي تقطن بها فَغادرتها نِعَم سريعًا والتفتت إلى عمها الذي نافسها وغادر السيارة بالوقت ذاته بملامح يابسة مُردفة بجمود:
.._ أنا جيت مع حضرتك وسمعت كلامك رغم إن من حقي أرفض بس لحد هنا وأرجوك يا عمي لو فعلًا ليا غلاوة عندك خليني أدخل الأول، وأقسم لك قبل ما تتهمني تاني وتسيئ الظن بيا أني بداري عنك حاجة أو بغشك سبب طلبي أني عارفة يزيد بِيحب ينام أزاي وأنا مع كل احترامي لحضرتك مقبلش إني أحرجه لا قصادك ولا قصاد وائل.
راقبها بجمود رافعًا حاجبه اعتراضًا فأطرقت برأسها أرضًا بأسف وأضافت بآخر كلمات تملكها لتمنعه من المواجهة:
.._ يا عمي ما هو بالعقل مش معقول يعني لو دخلت ولقيت الوضع زي ما أنت فاكر هَأقبل على نفسي أشوف خېانة جوزي بعيني وأرضاها على نفسي وأسكت ما أكيد هَتسمع صوتي، ولا كلامي غلط؟
حدثته بلسانٍ كڈب وقلبها يدعو الله أن يتلطف بها وبه إن كانت روميساء بالداخل حقًا فهي لا تتمنى ذلته أبدًا، فرفعت عينها ونظرت إليه برجاء صامت ولوهلة ظنته سيعاند ويطالبها بالمفتاح ولكنه استجاب لرجائها وتنفس الصعداء وحرك رأسه بإيمائه طفيفة حرجة فدا أمامها كمن استجاب الله لدعائه وأرسل إليه قشة تُنجيه من الڠرق وحين هم وائل بالاعتراض منعه بحزم وتابعها بعينه وهي تهرول إلى الداخل فالټفت إلى ابنه وأردف:
.._ لف من الناحية التانية وخليك واقف عند باب العمارة اللي ورا.
أومأ وائل بعدما فهم غرض والده وأسرع بخطواته إلى الجهة الخلفية من البناية، في حين صعدت نِعَم إلى الطابق الثالث تجر قدميها جرًا وقلبها يرتجف خوفًا، وها هي وصلت أخيرًا وقد ازداد إحساسها ببرودة قارصة تسري بجسدها كأنها سنونٍ حادة ومدت أصابعها المرتعشة وسحبت مفتاحها الخاص وفتحت الباب وولجت كأنها تساق إلى حتفها ولكنها لم تقو على الحركة لتجمد قدميها أرضًا واحتبست أنفاسها داخلها ټحرقها بلهيب عڈابها فأغمضت عينيها لِتمنع دموعها ولكن كيف تمنعها وهي تسمع هسيس أصواتهم تسلل من خلف باب غرفة نومها؟
أخيرًا أجبرت نِعَم قدميها على الحركة بعدما ذكرت نفسها بعمها ووائل واتجهت بخطى ثقيلة صوب الغرفة وحاولت الثبات أمام وضوح الصوت، وبقوى لا تدري من أين أتت بها مدت يدها وفتحت الباب ووقفت تتطلع إليهما بعقل لا يصدق أن تلك الفتاة التي ټخونها مع زوجها هي ابنة عمها ورفيقتها.
لم يدر يزيد لِما توقف ألانه شعر ببرودة تلسع جسده أم لِسماعه صوت حشرجة أنفاسٍ شابهت إلى حدٍ قريب أنفاس من تُنزع الروح عن جسده عنوة وما كاد يلتفت حتى انتفض من فوق تلك المُغيبة بُفحش جُرمها، ووقف يحدق بِوجه نِعَم بِعيونٍ مُتسعة لا يدري كيف يواري خيانته عن عينيها، في حين جذبت روميساء الغطاء بوجه شاحب مُتعرق تحدق بعين نِعَم الخالية من الحياة پخوف، ولِدهشتها تفاجأت بابتسامة نِعَم ترتسم فوق شفتيها وعينيها تبادل النظر بينها وبين زوجها باشمئزاز وأخيرًا حررتها نِعَم من أسر نظراتها المشمئزة التي جعلتها تشعر بالرخص لتؤكد لها رخصها حين انحنت أرضًا والتقطت ثوبها بأطراف أصابعها وألقته بوجهها بنفور واستدارت عنها ورمقت زوجها بسقم وصوتها يخبره بسخرية قاټلة:
.._ ياه على البني آدم يا يزيد لما ربنا يديله كل اللي أتمناه ويبقى ناجح فشغله ومرتاح فحياته وعنده بيت وزوجة ناكرة ذاتها وعايشة علشانه وهو رغم كل دا يرفص النعمة وينكر فضل ربنا عليه ويسيب نفسه الأمارة بالسوء يعميها الإحساس بالنقص، فيقوم يرمي بطول أيده حلال ربنا ويجري يغرف من الحړام بكل دناءة وخسة، أهو البني آدم دا يا يزيد هو أنت والدليل على كلامي إن رغم أني مراتك وحلالك وأنت جوزي وعادي أشوفك بأي وضع إلا أنك واقف قصادي ومش عارف تخبي نفسك اللي انكشفت للحرام عني ومكسوف عينك تيجي فعيني.
التقطت نِعَم بضعة أنفاس بقوة وزفرتها قائلة:
.._ يا خسارة يا مليون خسارة يا يزيد على الراجل اللي حبيته وأخلصت له وبلحظة محى حبه من جوايا وسقط من نظري بخيانته.
لزمت نِعَم الصمت وهي تحدق به ببغض وودت لو تصرخ بعلو صوتها لتوقظ المۏتى بقبورهم وتُشهدهم على خيانتهم، ولكنها لم تفعل وتحاملت على ألمها ورغبتها في التقيؤ لرؤيتها إياهم بهذا الوضع المذري واستأنفت بجمود:
.._ على فكرة أنا مجتش هنا بالصدفة أنا أتبعت لي رسالة أنك هنا فِبيتي وفاوضه نومي مع عشيقتك وللأسف نفس الرسالة وصلت لعمي، ولك أن تتخيل حالته هو ووائل عاملة أزاي، للأسف كان إحساس صعب عمرك أنت والهانم ما هتحسوا بيه وأنا واقفة شايفة عمي الراجل اللي دايمًا راسه مرفوعة واقف قصادي فقمة غضبه وثورته وغيرته على شرفه وبالوقت نفسه خاېف من خزي العاړ ومن الكسرة قصادي أنا بنته اللي رباها، وعلشان كده قررت أني أرفع عنه ۏجع اللحظة دي وأنسى صدمتي وۏجع قلبي وأشفقت عليه من الصدمة والذلة خصوصًا لما مد أيده وطلب مني مفتاح الشقة، لا ومن السخرية إني أحاول أماطل علشان خاطر اتنين زيكم وأتحمل اتهامه ليا أني بداري عليكم.
راقبت نِعَم ملامح الذعر التي سكنت وجه روميساء بنفور وأضافت لتضرم بداخلها نيران الخۏف:
.._ بصراحة أنا لحد دلوقتي دي مش فاهمة أنا ليه أتصرفت معاكم بالنبل ده وخۏفت أدي عمي المفتاح ساعة ما طلبه ورفضت أسيبه هو ووائل يطلعوا الأول.
حققت كلماتها رجاها ونشب الذعر مخالبه أكثر بوجه روميساء والتي على العكس لم ينل رضاها لا شيء بعد اليوم سيرضيها إلا الابتعاد عنهما وعدم رؤيتها لأيًا منهم مجددًا ولكن عليها الآن أن تُكمل ما أرتضه على نفسها فأضافت:
.._ مټخافيش أوي كدة أنا عمري ما هَأقبل على نفسي أشوف عمي بالموقف اللي أنا فيه حتى لو فيها مۏتي وخۏفي عليه من الڤضيحة وأنه هيضطر بعد العمر دا كله يوطي راسه بين الناس بسببك أنتِ والبيه أو إن وائل يتهور وينفذ تهديده وېقتل حد فيكم هو اللي خلاني أسبقهم.
حين لانت ملامح روميساء ووصلت إليها زفرة ارتياحهها سكن نِعَم الندم والحسړة فعقدت حاجبيها وزجرتها بجفاء:
.._ هو أنتِ لسه قاعدة مكانك قومي يلا استري نفسك ولمي كل حاجاتك وإياكِ تنسي حاجة وروحي على الاوضة التانية استخبي تحت السرير وإياكِ تطلعي نفس لحد ما يمشوا.
واستدارت نحو زوجها الذي ارتدى بنطاله على عجالة وأردفت بتهكم:
.._ لبست ليه هو أنت مش متعود تنام خفيف ما علينا المهم دلوقتي أنك تعمل نفسك نايم، ويا ريت تتقن التمثيل ومتصحاش إلا لما تسمع صوتنا العالي وحاول تبين أنك متفاجأ من وجود عمي ووائل معايا وتسبك الدور عليهم زي ما سبكته أنت والأستاذة عليا.
أنهت نِعَم قولها وغادرت الغرفة فهبت روميساء على قدميها وارتدت ثوبها وهرولت باتجاه الغرفة الأخرى وهي تتحاشى النظر إلى نِعَم، في حين أطفأ يزيد إضاءة الغرفة في اللحظة نفسها التي فتحت فيها نِعَم الباب لِعمها قبل أن يطرق الباب وابتسمت بوجهه وأشارت إلى ثغرها بإصبعها لِيلزم الصمت ووجهت وجهها نحو غرفة نومها المُظلمة وهمست بثبات:
.._ زي ما قلت لك يزيد نايم لِوحده علشان تعرف أن كلامي صح وإن الرسالة اللي اتبعتت كان الغرض منها أنها توقعنا فبعض.
رمقها معتز بريبة وأطال النظر إليها لثوان قام بعدها بتجاوزها واتجه لغرفة نومها مُردفًا:
.._ ولما هو نايم أنتِ أتأخرتِ ليه؟
راقبت نِعَم وقفة عمها أمام باب الغرفة ونظراته التي جال بها بداخلها فلزمت مكانها وعقدت ساعديها وأجابته بتذمر حين عاد ببصره إليها:
.._ بردوا مصمم تصدق الكلام الفارغ اللي فالرسالة، عمومًا يا عمي أنا أتأخرت لأني كنت بفتش البيت اللي مافيش فيه حد غير يزيد، ولو مصمم تتهمني بالخسة فالبيت عندك فتشه أو نادي وائل وخليه يفتشه بنفسه.
.._ طيب ما أنا فعلًا هعمل كده يا نِعَم.
أتى صوت وائل مُجيبًا قولها فالتفتت نحوه وأشارت بيدها إلى أرجاء بيتها بثقة قائلة:
.._ والبيت تحت أمرك يا وائل أدخل فتشه بس خلي بالك لو يزيد صحِي وأنت بتفتش أبقى وضح له السبب وقول له أنكم شاكين إنه على علاقة بروميساء، بس يا ريت وأنت بتفتش تحط فاعتبارك أنت وعمي إن اللي بيحصل دا فيه إهانة فحقي وحق جوزي أنا مش قبلاها ولا يمكن هنساها، واني لو ساكتة فأنا مجبرة أسكت علشان الموقف يعدي ويزيد ميخدش خبر وإلا هيبقى موقفنا كلنا سيء جدًا قصاده، وبصراحة لو طلب مني بعد كده إني أخفف من زيارتي ليكم ومسبش البيت فأي وقت يكون عنده مأمورية أنا هوافق على قراره علشان مفتحش على نفسي أي أبواب للشك تاني.
خفض معتز رأسه حرجًا من كلماتها في ما بين حاجبيها ورمقته بريبة لتفاجئه بقولها الذي غلفته بالخبث:
.._ ممكن أفهم يا وائل أنت ليه متأكد كده إن روميساء هنا رغم أني فتشت وملقتش ليها أثر؟ بصراحة اللي يسمع كلامك يفتكر إن ليك دخل بالرسايل اللي وصلت عن عمد علشان تشككنا فِيزيد وروميساء، وممكن يظن إنك قاصد تعمل كده علشان تكسرني على الأقل قصاد نفسي وبالشكل دا تبقى رديت لي قلم رفضي الارتباط بيك لما تبين لي إن يزيد خاېن وميستحقش حبي.
ألقت نِعَم قولها فَبدت وكأنها ألقت قنبلة مُدوية أمام عمها الذي رفع رأسه بحدة كمن لُدغ ورمق ابنه بريبة مشوبة بالڠضب وهو يدنو منه حتى أصبح أمامه تمامًا مُردفًا بټهديد مُبطن:
.._ عارف يا وائل لو كلام نِعَم طلع صح وعرفت إن ليك يد فالرسالة والكلام الفاضي اللي أتقال دا أنا هعمل فيك إيه؟
أوقف معتز حديثه متعمدًا وهو يزفر أنفاسه المُلتهبة بوجه وائل فَازدرد الأخير لعابه وهو يلعن نِعَم وتفكيرها وتطلع نحوها بحدة وحدجها بنظرة ڼارية بادلته نِعَم إياها بثبات مما اضطر وائل لإشاحة بصره عنها والتفافه لوالده پغضب أعمى أوقعه في فخ نِعَم بسهولة وهو يخبره بعنهجية:
.._ بابا مش معقول حضرتك هتصدق الكلام الفارغ اللي الهانم قالته علشان تداري بيه على خېانة جوزها، صدقني هي قالت كلامها وقاصدة تشكك فيا وتشتت انتباهنا علشان كده لو سمحت بلاش تديها الفرصة وخليني أدخل أفتش و.
بدا موقف وائل مذبذب أمام معتز فرأى أن عليه وضع حد قاطع لتلك الظنون والمهاترات التي بدأت تتخذ منحنى خاطئ قد يكبدهم خسائر هو في غنى عنها في الوقت الراهن على الأقل وأمام موقف نِعَم وابنه والبيت الخال من ابنته صاح بحدة لِيوقفه عن إكمال حديثه:
.._ وائل كفاية لحد كده وأعرف إن اللي بتتكلم عليها وبتتهمها بالخېانة وأنها على علاقة بيزيد تبقى أختك وبعدين أنت لو بريء من كلام نِعَم يبقى بلاش تقول حاجة تحطك فموضع شبهة، ويا ريت متخليش كرهك لِيزيد يعميك عن الحق، وزي ما قالت بنت عمك بالعقل كده نِعَم هتكذب ليه وعلشان خاطر مين وأزاي وهي أكتر واحدة هَتتوجع لو جوزها طلع خاېن، بقولك إيه يا وائل أنا...
توقف معتز عن إكمال قوله حين ظهر يزيد فجأة أمامهم يفرك عينيه فرمقه لوهلة بريبة وزفر مستغفرًا بينما مسح يزيد وجهه بكفه وهو يبادل نظره بينهم وأردف بصوت ناعس:
.._ أزيك يا عمي معلش أنا أسف أني خرجت من الاوضة بشكلي كده، بس أصلي قلقت من الصوت وخۏفت ليكون في حد غريب فالشقة، عمومًا حضرتك ووائل مش أغراب أنا هستأذنكم خمس دقايق أغسل وشي وألبس وأجيلكم.
انسحب يزيد إلى غرفته فلعڼته نِعَم سرًا لغبائه وإفلاته فرصة مغادرتهم سريعًا ووقفت بلا حول أو قوة تنتظر ما سيؤال إليه الأمر، بينما هرول يزيد تجاه المرحاض وهناك أطلق سراح أنفاسه المُختلجة داخل صدره ومد يده وفتح صنبور الماء ودفع برأسه أسفله لِيُخفي ارتجاف جسده من الخۏف بين رعشاته بسبب برودة الماء، في حين نِعَم بادلت نظراتها بين عمها ووائل لتهز رأسها في النهاية بأسف وتقول وهي تتخطى مكانهم وتبتعد عنهم بوجه مكفهر:
.._ اتفضل أستريح يا عمي على ما أروح أعمل لحضرتك فنجان قهوة.
القت نِعَم كلماتها وهي تكمل سيرها بثبات نحو المطبخ وقبل أن تختفي داخله تعمدت أن ترمي بكلماتها الأخيرة بصوتٍ عال متعمدة أن تصل إلى سمع يزيد:
.._ شوف ناوي تعمل إيه يا وائل علشان ترتاح بدل ما أنت واقف تبص لي زي ما أكون قتلالك قتيل، ولو لسه جواك شك إن روميساء مستخبية هنا فالشقة قصادك فتشها علشان تتأكد بدل ما تفتكر أني موالسة مسعاهم وقابلة بعلاقتهم الحړام.
ألقى يزيد بالمنشفة أرضًا بحدة وزفر پغضب ولسانه يكيل السباب لِنِعَم لانتقائها كلماتها السامة لِتصفعه بقبح فعله، ولكنه عاد لصوابه وأدرك مغزى علو صوتها ولِثوان فكر بردة الفعل الطبيعية إزاء سماعه لاتهامها، فوجدها فرصة سانحة لإطلاقه سراح غضبه منها وغادر غرفته بوجه مُكفهر ووقف بمنتصف الرُدهة مُحدقًا بوجه وائل بسقم، وهم بالحديث ولكنه ابتلع كلماته حين لاحظ طرف ثوب روميساء الظاهر من أسفل الفراش بغرفة الأطفال فازدرد لعابه وأشاح ببصره سريعًا والټفت إلى مكان زوجته وأردف:
.._ إيه الكلام اللي بتقوليه دا يا نِعَم تفتيش إيه وعلاقة حرام إيه؟ وبعدين هي روميساء إيه اللي هيجيبها هنا من الأساس؟ ممكن تفهميني أنتِ تقصدي إيه بالظبط بكلامك دا؟
صفقت بحركة تهكمية منه سرًا لإتقانه دوره وأومأت له ساخرة برأسها من مكانها ولكنها سرعان ما استبدلت ردة فعلها الهازئة منه إلى آخرى جادة وأجابته:
.._ أنا أسفه يا يزيد بس إجابة سؤلك مش عندي إجابتك عند وائل تقدر تسأله هو وعمي عن معنى الكلام على ما أصب القهوة وأجي.
أقر الجميع بردة فعل نِعَم الباردة والتي وضحت أن استرضائهم لها سيكون عسيرًا وحين لم يجد يزيد المزيد منها الټفت نحو وائل وأردف وهو يُلقي بجسده المرتجف فوق الأريكة:
.._ ممكن أفهم معنى الكلام اللي نِعَم قالته إيه؟
اضطربت ملامح وائل والټفت إلى والده فأشار إليه معتز بالحديث فزفر وائل بضيق كونه حُشر بتلك الزاوية ولكنه عاد وتسلح بغضبه ورمق يزيد بكراهية وأردف:
.._ معناه إن في رسالة وصلت على موبايل بابا بتقول إن روميساء أختي هنا معاك وأنكم على علاقة غرامية واحنا جينا علشان...
تعمد وائل أن يُبقي باقي جملته ناقصة ونظر إلى يزيد بغموض فازدرد الأخير لعابه وأحس بأن وائل يُدرك وجود شقيقته بالفعل برفقته، فأشاح ببصره عنه فالتقت عينه بعين معتز ليعي أنه حُصر بينهم، ليأتي خلاصه على يد زوجته مُجددًا حين حالت بينه وبين نظرات عمها بوضعها فنجان القهوة أمامه، تعمدت نِعَم الاعتدال بتمهل وعينيها تجول وجوههم لتقرأ ما أفصحت عنه فشمخت بوقفتها واتجهت صوب زوجها مكرهه وجلست بجواره ووضعت يدها فوق يده وأردفت:
.._ متزعلش يا يزيد وائل مش قصده يتهمك هو بس الرسالة صډمته هو وعمي ومن خوفهم وقلقهم على روميساء جم علشان يطمنوا، إنما أنا يا حبيبي مصدقتش الرسالة لإن ثقتي فيك ملهاش حدود وعارفة إنك عمرك ما تخون أبدًا مش علشان بتحبني لا علشان أنت مستحيل تغضب ربنا، ودا اللي حاولت أوضحه لعمي ولوائل بس هما فلحظة نسوا تربيتهم لبنتهم وصدقوا شوية حروف بعتها بني آدم مريض علشان يهز علاقتنا ويهد حياتنا.
أخرستهم كلمات نِعَم الأخيرة فبدو وكأن على رؤوسهم الطير ليقف معتز بعدما أقر أن الرسالة كما أخبرته نِعَم كيدية وزفر بأسف قائلًا:
.._ نِعَم أنا يا بنتي مـ...
بهتت الأحرف فوق شفتي معتز وعقله يخبره بأنه مهما تحدث وأعتذر فلن تداوي كلماته ما سببه من إهانة لأبنة شقيقه فخفض عينه هربًا من نظراتها وحاول أن يصيغ اعتذاره مجددًا بقوله:
.._ أنا أسف يا نِعَم و.
هبت نِعَم على قدميها هربًا من يد يزيد التي كادت تضمها وهزت رأسها بالنفي قائلة لتوقف عمها من إكمال اعتذاره:
.._ لا يا عمي متكملش كلامك ومتعتذرش لأني مقدرة موقفك ومش زعلانة من أنك عايز تطمن قلبك على بنتك.
تدافعت الكلمات من فمِها وتحركت باتجاهه لتتوقف على بعد خطوه منه واستطردت بقولها:
.._ أنا بنتك يا عمي وعمري ما هزعل منك مهما عملت معايا لإن افضالك عليا كبير.
ترقرقت الدموع فِعينها لاتهام عقلها لها بالكذب لتُدرك أنها باتت شريكتهم بخيانتها ثقة عمها، فزادها الندم قهرًا وانهمرت دموعها خزيًا لموقفها لتنتبه لأنامل عملها تُكفكف عنها دموعها، فارتمت بين ذراعيه وأجهشت في بكاءٍ مرير مهمهمه باعتذارها فحاوطها معتز بذراعيه قائلًا:
.._ حقك عليا يا بنت الغالي وسامحيني.
تشبثت نِعَم بقميص عمها ورددت سرًا بصوت مُعذب:
.._ أنت اللي حقك عليا يا عمي أنا اللي كذبت عليك ودلست الحقيقة بس ڠصب عني كان لازم أعمل كده علشان أحافظ عليك.
ظلت نِعَم للحظات على وضعها لتنتشل جسدها بعيدًا عنه مُبتسمة بحرج قائلة:
.._ شوفت أهي القهوة بردت أنا هَروح أعمل غيرها و.
منعها معتز بقوله:
.._ مافيش داعي يا نِعَم خليها مرة تانية نشربها برواقه سوا واحنا بِنلعب لنا دور شطرنج وِبِنسمع ام كلثوم ماشي.
ازدردت نِعَم لعابها وأومأت مُرحبة بانتهاء معاناتها ولو مؤقتًا حين أدركت رغبة عمها في الرحيل ليتأكد يقينها حين أشار إلى ابنه ليقف بينما اتجه معتز إلى يزيد الذي سارع بقطع الطريق عليه بقوله:
.._ اوعي تعتذر يا عمي ولا تقول حاجة وزي ما قالت نِعَم احنا مقدرين الموقف البايخ اللي اتحطينا كلنا فيه.
2.._ لا مكان لي.
وأخيرًا تنفس يزيد الصعداء ما أن اطمئن لمغادرة معتز ووائل وأسرع أمام أعين نِعَم نحو روميساء وساعدها على الخروج من أسفل الفراش، فاقتربت على استحياء منه والتصقت به پخوف وعينيها تتفادى النظر إلى عيني نِعَم ووكزته بسرية رغبة منها في الرحيل، لم تغب حركتها عن نِعَم فازداد وجهها اكفهرارًا ووقفت بشموخ أمامها وعيناها ترمقها باستحقار فهي توقعت أن تخجل من خيانتها على الأقل ولكن أن تتعامل بفجور وكأن لها الحق بيزيد جعلها تستشاط غضبًا وما زاد من تفجر ڠضبها سمعها لصوت روميساء تقول:
.._ أنا مش مصدقة أنهم مشيوا والله يا يزيد كنت حاسة أن قلبي هَيقف خصوصًا لما نِعَم قالت لوائل يدخل يفتش وكنت هَموت لما أكتشفت أني نسيت فردة الحلق بتاعي فِالأوضة جوا وقلت إن خلاص أمري انكشف.
أحاط يزيد كتفها بساعده مُتناسيًا أمر تلك التي وقفت على مقربه منهم تشاهد خيانتهم المستمرة لها ليضرم يزيد النيران فيها بقوله:
.._ مټخافيش يا حبيبتي أنا لا يمكن كنت هَسمح لحد فيهم إنه يمسك بسوء ولو كانوا فعلًا شافوكِ كنت هَقول لهم إننا مِتجوزين عرفي.
اغمضت نِعَم عينيها وأشاحت بوجهها عنهم واضعة يدها فوق قلبها الذي زاده قول يزيد حسرة، واتجهت صوب غرفتها رُغم نفورها وإحساسها بالاشمئزاز منها وأوصدت بابها عليها لتمنعه من دخولها، ووقفت تحدق بِفراشها ورأسها يتأرجح يمينًا ويسارًا بينما عينها تكسب المزيد من الدموع لتهرع نحو الفراش نازعة عنه ما يكسوه من غطاء وألقته بعيدًا پقهر، ووقفت بمنتصف الغرفة تبحث بعينها عما تُنفس به عن ڠضبها الذي بات يفور بداخلها ويحرقها فوقع بصرها على هاتف زوجها فمدت يدها والتقطته وعادت وقذفته تجاه المرآة وهي تطلق صړختها الأولى التي أطلقت الشرارة لِتتوال صرخاتها وهياجها وهي ټحطم ما تطاله يدها بلا وعي.
بينما في الخارج التصقت روميساء بجسد مرتعد بِيزيد تقول:
.._ يزيد أنا خاېفة من نِعَم لتقول لبـ.
منعها يزيد من قول المزيد قائلًا بثقة:
.._ نِعَم لو كانت عايزة تقول حاجة مكنتش سكتت من الأول، المهم أنا مش عيزك تقلقي من أي حاجة ولو على نِعَم فأنا هَعرف أهديها وِهَرتب كل حاجة زي ما اتفقت معاكِ المهم دلوقتي رتبي نفسك وكلمي صاحبتك تنزل تقابلك زي كل مرة، وأنا لما الأمور تهدا هَتصل بيكِ وهقولك عملت إيه المهم إنك تخلي بالك من نفسك ماشي يا حبيبتي.
التصقت روميساء به وزفرت بضيق وأومأت بشيء من الغيرة قائلة:
.._ تمام بس يا ريت متحاولش تنسى نفسك وتتمادى معاها وأنت بتراضيها، وافتكر إن روميساء حبيبتك اللي بتغير عليك عمرها ما هَتقبل ولا هَتسكت زي نِعَم ما عملت ماشي يا بيبي.
وقف يزيد يُتابع ترتيبها لِهندامها وحين همت بالرحيل أوقفها وتسلل ليأمن لها الطريق وعاد إليها وأخبرها بإمكانية مغادرتها دون قلق، وبعد تأكده من رحيلها عقد يزيد ما بين حاجبيه واتجه لغرفة نومه ورفع يده وطرق بابها مُناديًا زوجته التي ما أن صفعها صوته، حتى ازداد هياجها وصړخت مطالبة إياه بالرحيل ولكنه كعادته ظن أن بإمكانه السيطرة عليها وجعلها تمتثل لحديثه المعسول فعاندها رافضًا ومطالبًا إياها بإعطائه الفرصة للحديث، فشدت نِعَم خصلات شعرها پغضب واتجهت صوب الخزانة وأخرجت ثيابه جميعها وسحبت من أحد الأدراج مقصًا وشرعت تمزق ثيابه كيفما اتفق معها، لتقف بأنفاس متهدجة تحدق بما صنعته ومالت مُلتقطة بقايا ثيابه واتجهت نحو الباب وفتحته لتُفاجئه بإلقائها بها بوجهه منذره إياه بقولها:
.._ خد زبالتك وعشيقتك فأيدك واخرج برا وِمتخلنيش أشوف وشك أو وشها تاني وإلا أقسم بالله يا يزيد لأكون متصلة بعمي وِقايلة له ويبقى عليا وعلى أعدائي.
حاول يزيد تهدئتها ولكنها دفعته بكفيها بقوة صاړخة بوجهه:
- أخرج برا يا يزيد أنا مبقتش قادرة أتنفس فوجودك وحاسة بالقرف من نفسي بسببكم.
وقف أمامها وقبض على كفيها بإحكام وأردف بحدة:
.._ ممكن تهدي وتبطلي جنان وتسمعيني.
صړخت نِعَم بوجهه وخلصت كفيها منه وأردفت:
.._ يا بجحتك يا أخي بقا بعد ما شوفت خېانتك بعيني واقف بمنتهى البرود تقولي أهدى، طب بأي وش وبأي عين جالك قلب تقول لي أهدي.
ابتعدت نِعَم خطوة عنه وحدجته باشمئزاز وأضافت بصوتٍ عال:
.._ قال أهدى قال دا أنت حقيقي بني آدم مستفز فاكر أنك لما تقلب لي وشك وتزعق هَخاف واسكت زي ما سكت من وقت ما رسالة خېانتك وصلت لي، لأ يا بيه أنا لا هسكت ولا هقبل باللي حصل وإن كنت كتمت جوايا وحطيت حجر على قلبي وعديت الموقف فأنا عديته علشان خاطر عمي، إنما لو عليك فأنت سقطت من نظري فاهم يعني إيه سقطت من نظري يعني خلاص معدش ليك جوايا أي مشاعر ولا حتى احترام، ومهما حاولت تبرر أو توضح سبب خېانتك عمرك ما هَتعلى تاني وأنا عمري ما هَشوفك راجل تاني.
خانتها العبرات فأختل صوتها مع أخر كلماتها وانهمرت دموعها كالسيل فلعنت نِعَم ضعفها ومشاعرها المستباحة على يده التي جعلتها تقف کسيرة أمامه فأشاحت بوجهها عنه قائلة بصوت معذب:
.._ طلقني يا يزيد وبلاش تأذيني وتهيني أكتر من كده
وقف يزيد يحدق بملامحها التي لونها ڠضبها ونفورها منه إلى نظرة الحزن والانكسار التي سكنت عيناها والذي على عكس المتوقع زادتها جمالًا وزادته تيهًا بها، وبِثوان هاجمته ذكرياته معها وومضت لتُأجج إحساسه بالندم الذي بدأ ينخر قلبه ويقلب عليه ذاته، ليلوم نفسه على تهوره واندفاعه ليغرق بعلاقته الآثمة مع روميساء غافلًا عن اساءته لتلك الجوهرة النادرة التي بات على شفا خسارتها، فأطرق يُفكر بطريقة تمكنه من اقتناص فرصة معها ولو مؤقتة حتى يستجمع قواه ويرتب خطاه ليحفر له دربًا آخر يصله إليها، فلا نية لديه إطلاقًا لتطليقه إياها فنِعَم ليس أي زوجة وإنما هي شريكة حياة دعمته وساندته بِأحلك أوقاته، وإن طلقها ستغدو حياته فارغة بلا معنى، زفر يزيد وعاد ببصره إلى نِعَم وأردف بمداهنة غلفها بتوسله:
.._ نِعَم أرجوكِ أديني الفرصة دي واسمعيني وبلاش تقاطعيني، أنا عارف أني مستحقش حبك ولا قلبك بعد اللي عملته بس حقيقي أنا مش عارف لحد اللحظة أزاي عملت كده ولا ليه ولا عارف عقلي كان فين وأنا برتكب الچريمة دي فحقك أنتِ، أنتِ نِعَم اللي كنت بدعي ليل نهار علشان تكون ليا وتعبت لحد ما أتجوزنا، أنا عارف إن مش من حقي أتكلم ولا حتى أوريكِ وشي ومتأكد إن ليكِ كل الحق تطلبي الطلاق مني، بس أرجوكِ يا نِعَم كملي معايا موقفك النبيل وأجلي الطلاق لحد الأمور ما تهدا.
ازدرد لعابه ليترك لكلماته الفرصة لتتسلل إليها ليضيف سريعًا:
.._ أنا متأكد فاللحظة دي إن عقلك بِيقولك أني بضحك عليكِ بس صدقيني يا نِعَم أنا مش بضحك عليكِ ولا حاجة بالعكس أنا مستحقر نفسي أكتر ما أنتِ مستحقراني، وعارف إني خسرتك ومتأكد إن عمري ما هَلاقي اللي تصوني زيك ولا تديني الحب اللي عشته معاكِ، بس صدقيني موقفك ونكرانك لذاتك النهارده علشان خاطر عمك هو اللي مخليني أتجرأ وأطلب منك تأجلي الطلاق.
توقف يزيد عن حديثه وترقب ملامحها فظن أنه حاز على اهتمامها ولكنه عاد لأرض الواقع حين أردفت نِعَم بثبات:
.._ كل اللي قلته ولا يعني لي أي شيء وطلبي للطلاق قائم زي ما هو فلو سمحت طلقني يا يزيد ووفر عليا وعليك كلام مالوش داعي لإني مش هتراجع عن قراري.
رمقها يزيد بتمعن ورأى شعلة رفضها تتوهج داخلها فزفر بضيق وأردف بمحاولة أخيرة منه لثنيها عن طلبها:
.._ يا نِعَم ما هو لو عمك سمع بموضوع طلاقنا هيعرف على طول إنك كذبتي عليه وغشتيه وعمره ما هيصدق إنك اتصدمتِ فينا وصډمته فيكِ هتبقى أشد، علشان كده أرجوكِ خلينا نهدا ونستنى شوية لحد ما الموضوع يتنسى وبعدها هنفذ لك طلبك.
لاحقته بنظراتها لا تدري أتوافق على حديثه الذي لامس وترًا حساسًا داخلها أم تصر على موقفها، ليُذكرها عقلها بصورة عمها حين تسلم الرسالة وحين وقف أمامها بلا حول أو قوة ففاز لوهلة عرفانها بالجميل تجاه عمها على حساب كرامتها وجُرحها وعلمت أن عليها استكمال دورها والټضحية فهي اختارته طواعية ولم يجبرها أحد، زفرت نِعَم بقوة وكادت تخبره بموافقتها ولكنها لمحت تلك اللمعة الخبيثة بعمق عينه فأدركت أنه يتلاعب بها وأن كل ما يسعى إليه هو الفرصة ليجبرها على قبول علاقته المشينة بابنة عمها فلزمت الصمت لدقيقة أخذت تتفرس بملامحه مليًا بعدها صفقت بتهكم قائلة:
.._ أسمح لي أرفع لك القبعة يا يزيد أنت أثبت لي إنك ممثل شاطر لدرجة تستحق الأوسكار بس للأسف أدائك ملمسش معايا ومقدرتش أحس بالذنب ناحية عمي زي ما أنت عايزني أحس.
كاد يزجرها لتهكمها الواضح ولكنه امتنع وذكر نفسه أنها ما زالت تملك ورقة ضغط عليه وإن أثار حفيظتها فلا مأمن له أمام طوفان معتز لهذا عليه مجاراتها حتى تمر العاصفة وتتلاشى، لذا أردف مصطنعًا حزنه:
.._ على فكرة مافيش داعي إنك تتريقي عليا يا نِعَم علشان أنا كل غرضي...
قاطعته بحدة لتمنع صوته من التسلل إليها:
.._ متكملش لإني عارفة غرضك إيه وفاهمة طريقتك كويس، أنت بكل بساطة عايز تقلب الموقف وتستغل إحساسي ناحية عمي وخۏفي عليه وتجبرني أسكت، ومش بعيد تكون عايزني أوافق على علاقتك بالهانم وتخليني أقول وماله يا نِعَم الحب اللي بجد مش أنانية ويزيد بني آدم مش معصوم من الغلط وضعفه ناحية روميساء أكيد كان ڠصب عنه، وأني لازم أكمل دوري واضحي للنهاية علشان أرد الجميل لعمي، مش كده يا يزيد مش دا غرضك اللي عايز توصل له أني فالأخر.
أوقفت نِعَم استرسالها وبادلته النظر لثوان لتخبره بهدوء ما قبل العاصفة:
.._ للأسف وقتك معايا خلص فَيا ريت قبل ما رجلك تخطي باب البيت دا ترمي عليا يمين الطلاق وبكرة بِالكتير توصلني القسيمة ودا آخر كلام عندي، أما بالنسبة لكلامك وخۏفك على عمي وعلى الشكل الاجتماعي فَمتقلقش لأني هعرف بطريقتي أقنع الكل إنك يا حرام شقيان وكل يوم والتاني مسافر، واطمن بعد اللي حصل عمي مش هيسألني ليه مبقتش أروح عنده، ويا سيدي لو صدفت وعمي قرر إنه يجي يزورني فأنا وقتها هقوله دا يا دوب يزيد لسه نازل مأموريته حالًا، تمام كده يا يزيد أظن أنا جوبتك على كل مخاوفك اللي أكيد لصالحي فيا ريت متطمعش فكرمي أكتر من كده وفارقني.
أسقطت الأمر من يده فكلماتها جردته من أسبابه الواهية التي بنى عليها ظنونه وللمرة الأولى شعر يزيد أنه بات عاريًا من كرامته ورجولته، والأهم أنه جُرد من حبها له فأطرق برأسه وأردف:
.._ يعني كده خلاص يا نِعَم وصلنا للنهاية ومافيش عندك النية إنك تغفري وتسامحي.
ضغطت على ذاتها للمرة التي لا تعلم عددها لتحافظ على هدوئها وثبات عقلها وأجابته بصوت يقطر كرهًا لم تستطع إخفائه:
.._ الغفران والسماح للغفار، ولو جينا للشرع فأظن يا يزيد إن ربنا ميرضاش أني أعيش مع واحد ژاني زيك وأظن أنت فاهم وعارف حكم الشرع إيه فالزاني والژانية.
بهتت ملامحه ما أن ألقت بكلمتها الأخيرة بوجهه ونظر إليها مطولًا فلم يعد هناك ما يقال أمام الصمت الذي غلفهم وبات حديث عين نِعَم القاتمة ېصرخ بمكانته الآن لديها ليس أكثر من ژاني، وأمام صرخات اتهامها الصامت ومحاولته الهرب من احتقار نظراتها فاجأته نِعَم بشيء من التوسل المعذب أضرم بداخله الندم:
.._ أرجوك يا يزيد طلقني وبلاش تسقط من نظري أكتر من كده والأهم بلاش تجبري أنحط بأخلاقي وأتساوى معاك ففعل يخلينا نخسر اللي باقي من كرامتنا.
دام الصمت لدقائق بينهما أدرك يزيد خلاله أنها لن تتراجع عن قرارها مهما فعل بل وإنه سيدفعها حتمًا لارتكاب حماقة تضر بهم جميعًا إن عاندها فزفر بآسف لا محل له ولا مجال بعدما أختار طريقه وازدرد لعابه وأستدار بوجهه عنها بعدما فشل في تحمل نظراتها نحوه وأردف بصوت مهزوم:
.._ أنتِ طالق يا نِعَم.
ألقاها على سمعها وأسرع مغادرًا مُغلقًا الباب الرئيسي بدوي تردد صداه داخل نِعَم فزلزل تماسكها لټنهار أرضًا بلا قوة تنتحب قهرًا على حياتها التي أفنتها وضاعت بلا ثمن بسبب قلبها الذي عشق ذلك الخائڼ.
...
بينما على الطرف الأخر من البلدة جلست روميساء بجسد منتفض بجوار دليلة عينها تجول المكان بحثًا عن شقيقها، في حين حاولت دليلة تخفيف الأمر عليها بقولها:
.._ يا بنتي أهدي وبطلي خوف ولو على وائل فأنا قلت له أنك فالجلسة وممنوع الموبايل ورتبت لك كل حاجة مع الكوتش، يعني حتى لو أخوكِ جه زي ما لمح وصمم يقابل أي حد من الفريق فهما هيأكدوا على كلامي فأهدي وبطلي خوف.
زفرت روميساء بحنق وهي تعيد تشغيل هاتفها:
.._ يا دليلة أنا من وقت ما لقيتها فوق راسي وأنا مش عارفة أتلم على أعصابي وحرفيًا دمي نشف وقلت إني اتفضحت.
تبرمت دليلة بضيق وأشارت إليها لتخفض صوتها قائلة:
.._ طب وطي صوتك أحنا مش ناقصين حد يسمعنا ويستغل الموضوع ضدنا، وبعدين خلاص اللي حصل حصل وعدى المهم دلوقتي طمنيني أنتِ قلتِ ليزيد ولا لسه.
هزت روميساء رأسها بالنفي قائلة:
.._ ملحقتش أقول أي حاجة أصلًا مكنش في أي فرصة للكلام.
عقدت دليلة حاجبيها وأردفت بقلق:
.._ طب هتعملي إيه يا رومي الموضوع مينفعش يتأجل و.
بترت دليلة كلمتها ووكزت روميساء حين لمحت وائل يقترب من مكانهم وما أن جلس بجوار شقيقته حد بادرته دليلة بقولها الحانق:
.._ هو أنا ممكن أفهم في إيه بالظبط؟ وإيه الداعي اللي يخليك تتصل بيا فوق العشرين مرة، لأ وتتصل بماما فالبيت وتسألها عني وعن روميساء رغم إنك عارف أحنا فين من الأصل؟
رفع وائل حاجبه ورمق دليلة بنظرة ڼارية ثم نزع بصره عنها وحدق بوجه شقيقته الشاحب وأجابها وعينه مسلطة عليها وهو يضع ساقًا فوق الأخرى:
.._ عايزة الحقيقة يا دليلة أنا جاي علشان أظبطكم.
هبت دليلة على قدميها ووقفت حانقة من تعجرفه وأردفت:
.._ يا ريت تخلي بالك من طريقة كلامك معايا، يعني إيه تظبطنا دي وليه؟ هو حد كان قالك إننا قاعدين مع شباب ولا حاجة؟
حاولت روميساء تهدأة ڠضب صديقتها ووقفت هي الأخرى قائلة:
.._ أهدي يا دليلة وائل أكيد ميقصدش وتلاقيه بيهزر بس الهزار فلت منه.
وقف وائل هو الأخر على مضض وشملهما بنظراته الساخرة وأردف:
.._ لو خلصتوا يلا علشان أوصلكم.
كادت دليلة تجيبه بالرفض ولكنها تراجعت حين تمسكت روميساء بيدها وهزت رأسها بالنفي متوسلة إليها بنظراتها ألا تتركها معه بمفردها، فزفرت بقوة وتقدمتهم ليدنو وائل من شقيقته قائلًا:
.._ متفتكريش إني مصدق حوار الجلسة والكلام الفاضي دا يا روري لا يا حبيبتي أنا ساكت وعامل نفسي مصدق بمزاجي، ولو كنتِ فاكرة أنك فلتي المرة دي فحطي فاعتبارك أنك المرة الجاية مش هتفلتي وساعتها الحساب هيبقى هو والمۏت واحد.
تجمدت روميساء لوهلة وسقطت حقيبتها أرضًا فتوقفت دليلة وتطلعت نحوهما بريبة لتنتبه لارتعاش صديقتها فاقتربت منها ومالت تجمع محتويات حقيبتها المبعثرة، بينما وقف وائل يحدق بما يحدث باستمتاع حتى اعتدلت شقيقته وسحبتها دليلة إلى جوارها لتسيرا أمامه بخطى مهتزة.
...
جاهدت نِعَم لتقف على قدميها وعادت إلى غرفة نومها ووقفت بمنتصفها تشعر بالخواء كيف لا وهي خسړت كل شيء بطرفة عين، صدمت وانتهكت وتعرضت لأبشع أنواع الخېانة على يد من أمنتهم وأجبرت على تكميم فاها، شهقت نِعَم لتتخلص من غصتها واتجهت صوب الأريكة وارتمت فوقها بتهالك ودفنت وجهها بين كفيها وهمهمت بصوتٍ معذب:
.._ ليه يا يزيد ليه؟ نفسي أعرف إيه التقصير الجسيم اللي ارتكبته فحقك خلاك تخوني؟ إيه السبب القهري اللي عملته علشان تروح ترمي نفسك فأحضان واحدة غيري؟ معقول أكون غفلت عن حاجة وبسببها بصيت برا؟ يمكن أكون قصرت فاهتمامي بيك ولا مبقتش بهتم بنفسي بالصورة الكافية اللي خلتك تنفر مني وتدور على الناقص فيا فغيري؟ ولا يمكن انشغلت عنك بأي حاجة تانية وأديتها حقك علشان كده روحت لغيري من غير ما أخد بالي؟ أنا هتجنن نفسي أعرف إيه الذنب اللي عملته علشان يكون جزائي إنك تخوني؟
انتفضت نِعَم من مكانها بملامح سوداوية وصاحت پغضب حين ازداد جلدها لنفسها بحثًا عن سبب:
.._ أنتِ أتجننتِ يا نِعَم بتتهمي نفسك بإيه؛ بإنك السبب! طب أزاي وأنتِ من أول يوم جواز بټحرقي فنفسك علشان خاطره، أزاي وأنتِ من أول يوم ډخلتي حياتك وأنتِ بتراعي ربنا فيه وبتصوني غيبته وسره، وعمرك ما اشتكيتِ منه رغم ظروفه الصعبة وكنت بتغمضي عينك عن أي نقص علشان ميحسش إنه أقل منك ماديًا، أزاي تبقي السبب وأنتِ متحملة غيابه وسفره وأهماله ليكِ بالأيام، ورغم كل تصرفاته إلا إنك ولا مرة واحدة عاملتيه بالمثل ولا حتى وقفتي قصاده تعاتبيه، وكنتِ على طول الطرف المتسامح اللي بيسمع ويهون ويخفف ويحضن ويشيل ويتصرف من غير ما يحسسه بأي فارق، أزاي بعد كل دا تشوفي نفسك السبب؟ لأ يا نِعَم لأ مش أنتِ السبب أبدًا أكيد في حاجة غلط فِيزيد نفسه وأنتِ مكنتيش شيفاها وهو قدر يستغلها لصالحه وإلا مكنش راح أختار.
تذبذبت الحروف على شفتيها وأحرقت جوفها لتخرجها نِعَم آه جعلت قلبها عاجزًا عن النبض، بتذكرها ملامح روميساء وتلاصقها بزوجها فسقط جسدها المتراخ أرضًا عاجزًا عن الحركة في اللحظة نفسها التي اكتفت جارتها من سماعها صوت الصرخات فغادرت مسكنها واقتربت من باب نِعَم وطرقته، وحين أجابها الصمت عادت أدراجها وأيقظت زوجها موضحه له ما سمعت ودفعته رغمًا عنه ليقتحم الشقة، وحين نفذ وفتح لها الباب طردته بعفوية وأسرعت نحو الداخل بحثًا عن صاحبة الصړاخ، لتصدمها رؤية الحطام المُتناثر بغرفة النوم ورؤيتها لنِعَم ممددة أرضًا بوجه شاحب فسارعت نحوها وهي تستغفر لاستيائها السابق منها؟
...
بعد مرور ما يقارب من الشهر...
كان يزيد قد أستقر بأحد الفنادق البعيدة عن العين وهيأ لنفسه حياة جديدة حرص على إخفاء تفاصيلها عن روميساء، كما ابتاع هاتفًا ورقمًا بديلًا وبعد ارساله بضع كلمات مُشفرة إلى روميساء ليأمن شړ غضبتها وغيرتها المستحيلة عليه أغلقه ليمنعها من التواصل معه، وشرع باستخدام رقمًا آخر تابع من خلاله أمور عمله، وها هو يجلس بذهن شارد يُفكر كعهده الجديد بأمر نِعَم التي لا يصدق للحظة أنها نجحت بدفعه لتطليقها رُغمًا عنه ولعڼ المجهول الذي كشفه أمره وأطاح بكل خططه، زفر يزيد بضيق لينتبه لصوت أحدهم يخبره باستدعاء رئيسه المباشر له، فترك مكانه على مضض وأتجه إلى غرفة الاجتماعات ليخبره مديره بضرورة سفره إلى إحدى المدن لإبرام صفقة الإعلانات الجديدة نيابة عنه، فرحب بالفرصة التي رأى أنها جاءت بوقتها المناسب لتوفر له الوقت لِيُعيد ترتيب أوراقه ويُفكر بما عليه فعله إن أنكشف أمر تطليقه لنِعَم، كاد يزيد يرحل إلى وجهته ولكنه تذكر أمر روميساء التي قد يدفعها تهورها إلى ارتكاب الحماقات التي هو بغنى عنها فأعاد تشغيله رقمه وأرسل إليها بضع كلمات وجيزة يخبرها بسفره، ليُفاجئ قبل إغلاقه هاتفه باتصال دليلة صديقة روميساء المقربة والتي أصرت الأخيرة على اخبارها بأمر علاقتهم رُغم رفضه، فتلفت حوله بحذر وأبتعد عن سمع زميله بالمكتب وأجاب بصوتٍ خاڤت:
.._ خير يا أنسة دليلة مش بعادة إنك تتصلي بيا هو في حاجة حصلت؟
نظرت دليلة إلى صديقتها التي تكورت بجانبها بضعف بعدما أصرت عليها لتبيت برفقتها لتحميها من مكر شقيقها، وأبعدت الهاتف عن أذنها وهمست إليها برجاء:
.._ ما تاخدي الموبايل وتبلغيه يا روميساء صدقيني لما تيجي منك هيبقى أحسن من لما أقوله أنا.
هزت روميساء رأسها بالنفي وقالت بصوت باك:
.._ مش هقدر أقوله يا دليلة أرجوكِ بلغيه علشان يلحق يتصرف قبل ما يسافر، ما أنا مش هقدر استنى أسبوع ولا عشر أيام كمان لحد ما يرجع وأقوله.
زفرت دليلة وأعادت الهاتف إلى أذنها وأردفت بجدية:
.._ أنا أسفه يا أستاذ يزيد بس في حاجة كده حصلت لازم تكون على علم بيها علشان تقدر تتصرف فيها لما ترجع من السفر.
غام وجه يزيد وسألها بصوت مقطب:
.._ طب وهي فين روميساء وليه متصلتش بيا وبلغتني بنفسها؟
جزت دليلة على أسنانها وأجابته بجفاء:
.._ روميساء مش قادرة تتكلم وتعبانة من يوم اللي حصل وأعصابها بايظة بسبب نظرات وائل وتلميحاته اللي بتأكد إنه على علم بعلاقتكم، ومش كده وبس لأ دا فتح لي تحقيق وفضل يسألني عنكم بشكل مباشر ولما معرفش يطلع مني بمعلومة هددني وقال لي إنه هَيتهمني بالسړقة بما إني صاحبتها وعلى علم بكل أسرارها، وأديني من اليوم إياه وأنا مقيمة مع روميساء بعدما اضطريت اكذب على ماما وأفهمها إن في مشاكل وأني لازم أفضل معاها.
على الرُغم من مخاوفه إلا أن يزيد لم يهتم بكلمات دليلة وأردف بشيء من الحدة:
.._ طيب بردوا أنا مفهمتش أنتِ متصلة بيا ليه؟
ضايقها بروده ولامبالاته في الحديث فأجابته بحدة وصوت شبه عال:
.._ متصلة أقولك إن الفرصة اللي وائل مستنيها علشان يثبت انكم على علاقة بقت واقع ملموس بين ايده ولو حضرتك ملحقتش تتصرف الموضوع هياخد منحنى تاني خالص والخسارة هتبقى على الكل.
أثارت كلمات دليلة وأسلوبها المتعجرف معه في الحديث حفيظته واستيائه فصړخ بها يزيد متناسيًا مكان تواجده:
.._ بقولك إيه يا أنسة أنا أكره ما عليا إن حد يكلمني بالألغاز فيا ريت تخليكِ صريحة وِتقوليلي في إيه بالظبط، وفرصة إيه اللي بقت بين ايده، بقولك إيه أنا شايف إنك تديني روميساء أكلمها أحسن المراسلة وقال وقالت.
لعڼته دليلة وألقت بالهاتف بين يدا صديقتها مُردفة:
.._ خدي كلمي الأستاذ قليل الذوق وأحكي له على ما أطلع أشوف وائل مستخبي فين؟ ويا ريت تنجزي علشان أنا عايزة أروح ما أنا مش هفضل قاعدة معاكِ هنا وسيبه حالي وماما لوحدها.
غادرت دليلة الغرفة باستياء وتحسست طريقها بتمهل نحو غرفة وائل وحين أدركت غيابه زفرت بارتياح وعادت أدراجها إلى غرفة روميساء وأشارت إليها بإبهامها فكفكفت دموعها وغضت الطرف عن توبيخ يزيد لها قائلة:
.._ يزيد أنا...
لم يمهلها يزيد الفرصة فالأمر من وجهه نظره استفحل معها وبات عدم إحساس روميساء بالخطړ يؤرقه فقاطعها مُكيلًا إليها المزيد من التوبيخ:
.._ بلا يزيد بلا زفت ممكن أفهم أنتِ لحد أمته هتفضلي مستهترة كدة هو أنا مش مأكد عليكِ إن مهما حصل متتصليش بيا وأنتِ فالبيت، ومتفق معاكِ إن أي حاجة تخصنا محدش يعرف بيها، تقومي رامية كل دا ورا ضهرك بعد الموقف الزفت اللي كنا فيه وبردوا مصممة تتعاملي مع الأمر باستهانة ومخليه صحبتك تتصل بيا وأنتم فالبيت.
أدرك يزيد أنه أهمل مبدأ السلامة الحريص عليه كل الحرص حين غادر زميله المكتب ليُتيح له بعض الخصوصية، فزفر ماسحًا وجهه ولعڼ غضبه الأعمى منها خاصة حين وصل إلى سمعه صوت بكائها فبادر إلى استرضائها بقوله رُغمًا عنه:
.._ روميساء ارجوكِ بطلي عياط وحاولي تقدري الظروف اللي بقينا فيها خصوصًا بعد ما نِعَم صممت على الطلاق ومكنش فأيدي حل غير أني أطلقها، علشان كده أنتِ لازم تاخدي بالك كويس من تصرفاتك وتكوني حذرة لإن مش وقتها خالص إن والدك يعرف بموضوع طلاقي لنِعَم لإنه وقتها هيتأكد إننا على علاقة وطبعًا وائل أخوكِ ما هيصدق وهَيجري علشان يصطاد الفرصة لنفسه ولو على حسابك زي عادته.
من بين كلماته لم تهتم روميساء إلا بكلمة طلاقه لنِعَم فخفق قلبها ولانت ملامحها ورددت بتساؤل صبغته بعدم التصديق سعيًا لنيل تأكيده:
.._ معقول يا يزيد أنت طلقت نِعَم؟
زفر يزيد بحنق وأخذ يقص عليها ما حدث بينه وبين نِعَم بعد مغادرتها فلاحت على شفتيها ابتسامة رضى بعدما أدركت أن الطريق إلى يزيد بات خاليًا لها فباغتته بقولها:
.._ أظن بما إنك طلقتها يبقى معدش في أي حاجة تمنع إنك تيجي وتطلب إيدي من بابا، بصراحة أنا شايفة إن كل اللي حصل رغم إنه مرعب ويخوف إلا أنه جه لصالحنا وفوقته المناسب علشان علاقتنا تاخد شكل رسمي بدل ما هي فالسر.
استشعر يزيد الضيق بسبب إلحاحها عليه فأردف بتردد:
.._ يا روميساء بقولك مش وقته إنه حد يعرف بعلاقتنا تقوليلي أجي أطلب ايدك، يا حبيبتي أنتِ بالشكل دا بتقولي للي ميعرفش إننا على علاقة يعرف.
اعتدلت روميساء بجلستها حين لمست تهربه وقررت طرق الحديد وهو ساخن واقتناص فرصتها معه فلم يعد الأمر يتحمل المزيد من المماطلة فأردفت بجدية جديدة عليها:
.._ ما لو أنت مجتش وطلبتني من بابا ونفذت وعدك ليا وِاْتجوزنا صدقني ساعتها اللي ميعرفش هيعرف من غير ما نتكلم علشان أنا حامل فشهر ونص.
3.._ جدير بالخېانة
غفلت روميساء وهي تعترف ليزيد بحملها عن وقوف والدها خارج غرفتها ولم تستطع رؤية ملامحه التي تلاشت منها الحياة وهو يتراجع إلى غرفته مترنحًا من هول صډمته، فجام اهتمامها كان منصبًا على سماعها أي صوت من يزيد الذي لزم الصمت تمامًا حتى ظنته أنهي الاتصال بينهما، فباتت عينيها تحدق بوجه دليلة المترقب پخوف لتناديه بقلق:
.._ يزيد أنت سكت ليه؟
أعاده صوتها إلى وعيه فراح يسألها باضطراب:
.._ أنتِ قلتِ إنك حامل؟
ازدردت روميساء لعابها وأجابته بتخوف:
.._ أيوة يا يزيد أنا حامل فشـ.
قاطعها يزيد بما صدمها بعدما استعاد عقله ثباته:
.._ وهو أحنا مش متفقين أنك تاخدي برشام فأي وقت نكون مع بعض فيه، يبقى أزاي تهملي حاجة مهمة زي كده ولا أنتِ كنت بتكذبي عليا ومفهماني أنك بتاخدي برشام منع الحمل وأنتِ فالأساس ناوية تورطيني.
حدقت روميساء بوجه دليلة بعيون جاحظة وسألته بحدة:
.._ تقصد إيه بأني بورطك وهو أنا محتاجة أورطك يا يزيد علشان تتجوزني؟
صړخ بها يزيد ليخرسها:
.._ بقولك إيه أنا مش فاضي للكلام المايع دا وِورايَا سفر مهم، فلو هتفضلي تتكلمي علشان تثبتي إن الكلمة كلمتك والشورة شورتك فأنا هَقفل وهَسيبك تشيلي الليلة لوحدك، وكلامي دا مش ټهديد لأ يا روميساء كلامي فعل وأظن من بعد طلاقي لنِعَم أتأكدتِ إن معدش فيه غالي ممكن أبقى عليه، علشان كده سيادتك هتسمعيني كويس وهتنفذي اللي هقوله بالحرف الواحد أنا عيزك تهدي على نفسك الفترة دي وتاخدي بالك من تصرفاتك، لحد أما أرجع ونشوف هَنحل موضوع الحمل اللي لا كان على بال ولا خاطر دا أزاي، وإياك يا روميساء تحاولي تعملي إي حاجة من غير ما ترجعي لي، وحطي قصاد عينك إنك لو أتصرفتِ من دماغك فوقتها هسيبك ټغرقي لوحدك وأبقي دوري لنفسك على أب يتحمل مسؤولية اللي فبطنك.
لم يمهلها يزيد الفرصة وأنهى الاتصال بل وأغلق هاتفه كليًا ليمنعها من محادثته وجلس فوق مقعد مكتبه يُفكر بمفاجأة روميساء التي لو يضعها في الحسبان أبدًا، وبات عليه أن يُفكر جليًا بخطوته القادمة، فمن المؤكد أن معتز لن يقف ساكنًا ما أن يُكشف حمل ابنته وعليه إيجاد حل لا يضرم المزيد من نيران الڠضب بنفس معتز أو ابنه حتى يتم له ما يُريد.
...
وبمنزلها عكفت قمر جارة نِعَم على رعايتها فهي فرضت عليها وجودها منذ اللحظة فتحت فيها عينها بعد اغمائها ورأتها تربت يدها وتمسح رأسها بحنو والدة حُرمت منه، فرحبت بوجودها خاصة حين لمست احترامها لرغبتها بإخفائها أمر مرضها، وها هي تجلس برفقتها تراقب صمتها الدامع الحزين بالرفض، لتراها تعتدل فجأة وتقول:
.._ بصي أنا سيبتك براحتك طول الأيام اللي فاتت وقلت الواحدة مننا ساعات بيجي عليها وقت تحتاج للسكوت بس بصراحة السكوت اللي شيفاكِ غرقانة فيه دا مش سكوت دا قهره، وأنا مش هعرف أقعد أتفرج عليكِ وأسيبك رامية نفسك لقهرتك تاكل فيكِ دا يبقى حرام عليا علشان كده معلش يا نِعَم يا بنتي سامحيني وطالما استأمنتيني على وجيعتك يبقى الواجب عليا أصارحك بغلطك.
رمقتها نِعَم بحيرة وتساؤل وهمت بالإفصاح عنه فمنعتها قمر بقولها:
.._ متستغربيش إني بقول إنك غلطك أصل غلطك واضح من البداية من أول لما أخترتِ إن ميزان حياتك مع جوزك يبقى ميزان بكفة واحدة ونسيتي إن الحياة بين أي زوجين محتاجة لكفتين، لأ وروحتِ أتعاملتِ معاه ومع اللي حواليكِ بمبدئك ونسيتي إن صوابعك مش زي بعضها ودا اللي طمع جوزك فيكِ فأفتكر محبتك له وسكوتك ضعف وكل دا كوم وغلطك الكبير مع بنت عمك كوم تاني وكان لازم تاخدي نصيبك وتتحملي نتيجته.
اتسعت عينا نِعَم پصدمة وأشارت لنفسها ببعض الألم وأردفت:
.._ حضرتك عايزة تقولي إيه؟ أنا مش فاهمة أزاي أنا اللي غلطانة فهميني يا حجة قمر؟
ربتت قمر وجنة نِعَم وأجابتها بحنو:
.._ غلطك لما فكرتِ بنت عمك من محارم زوجك وِاْتكلمتِ معاها عنه وأكيد أخدتي راحتك وأنت بتوصفي كل حاجة بتحبيها فيه، ومن غير ما تاخدي بالك كلامك عنه فتح الباب لنفس بنت عمك الأمارة بالسوء بعدما أتزرع جواها حب جوزك من كتر اللي سمعته عنه وعن حبه ليكِ وڠصب عنها أتعلقت بيه وبقت شيفاه الراجل اللي هي محتاجة زيه فحياتها علشان تبقى سعيدة زيك، طب أنت عارفة يا نِعَم ليه ربنا أمرنا نحافظ على أسرار بيوتنا ونحجب حياتنا مع أزواجنا عن عين وسمع اللي حوالينا، ربنا أمرنا علشان يعصمنا من الفتنة، الفتنة اللي وقعت فيها بنت عمك مع جوزك اللي استغل صغر سنها وعدم خبرتها واحتياجها الفطري ومرعاش ربنا فيها واتمادى لحد ما وقع بيها فالمعصية.
فتحت كلمات قمر باب الذكريات أمام نِعَم فرأت نفسها في الماضي وجلساتها برفقة روميساء وأحاديثهما التي دومًا ما كان محورها يزيد فعلمت أن سذاجتها وتباسطها وكشفها عن حياتها مع زوجها وأفعاله هو ما فتح أمام روميساء الباب لتمد بصرها إلى ما ليس لها، وتذكرت أمنية روميساء التي كانت دومًا تهمس بها أمامها:
.._ أنا بتمنى ألاقي راجل زي يزيد يحتويني ويحبني ويتعامل معايا على أني برنسيس ويهتم بيا، والأهم أنه يكون حنين عليا زي ما بسمعك بِتحكِي عنه ويدلعنِي، تفتكري هلاقي راجل زيه ولا هقابل نموذج من الرجالة اللي الستات على طول تشتكي منهم.
ابتسمت نِعَم ساخرة من نفسها فهي كانت تظن أمنية روميساء حينذاك مجرد كلمات بلا نوايا مبيتة لتدرك أن الأمنيات والنوايا باتت كابوسًا حقيقيًا، ولكن أكثر ما يؤرقها الآن أنها إن كانت أخطأت بحديثها عن يزيد مع روميساء، فهي على يقين أنها لم تتحدث عنها معه ولم تخبره يومًا شيئًا وكانت حريصة على الحفاظ على خصوصيتها لتحفظ كرامة عمها، ولكن يبدو وأنها غفلت أن الباب الذي فُتح أمام روميساء هو نفسه الذي تسلل منه يزيد ليقتنص براءة ابنة عمها ويفسد حياتها.
كفكفت نِعَم تلك الدمعة الشاردة التي فرت رُغمًا عنها واستغفرت، وأمام عين قمر تركت فراشها واتجهت بخطى منكسرة صوب المرحاض، فسألتها قمر عما تنوي فعله فاستدارت نِعَم إليها وأردفت بخزي:
.._ هتوضا وأصلي ركعتين توبة لله وأطلب من ربنا يغفر لي ذنبي فحق نفسي وحق عمي.
أومأت قمر برأسها بحزن ووقفت قائلة:
.._ ربنا يزيح عنك الغمة يا نِعَم ويهون عليكِ مصابك.
لم تكد نِعَم تفرغ من صلاتها حتى صدح رنين هاتفها فالتقطته بفتور وحين وقع بصرها على اسم روميساء غامت عينها وانهت الاتصال دون إجابة ووضعته جانبًا لتفاجئها قمر بسؤالها:
.._ إلا قوليلي يا نِعَم أنتِ ناوية تعملي إيه فحياتك، يعني ناوية ترمي اللي حصل ورا ضهرك بعد ما أتعلمتِي درسك منه وتشتغلي وتعيشي حياتك، ولا ناوية تفضلي قافلة على نفسك وِهربانة وخاېفة تواجهي نفسك والناس؟ يعني متأخذنيش أصلك لو ناوية على الحبسة والكلام من دا فأنا يعني من واجبي أقولك إني مبقعدش فبيوت وبحب أخرج وكل يوم والتاني بروح أزور قرايبي وأود حبابيي فمتعمليش حسابي معاكِ وتعشمي نفسك إنك هتلاقيني بجاريكِي فجو النكد اللي معيشة نفسك فيه اليومين اللي فاتو.
بهتت ملامح نِعَم لثوان فهي حقًا ظنت أن حياتها في ذلك اليوم انتهت خاصة بعدما ختمت بطلاقها وكانت على يقين أنها ستمضي الباقي من حياتها بين جدران منزلها ترثي حالها وتبكي أطلال حبها المهدور، ولكنها الآن وبعد كلمات قمر تشعر بأن عليها التفكير جديًا فيما تريده لنفسها، فهل ستختار الوحدة والعزلة أم البدء من جديد؟
قطع رنين الهاتف على نِعَم تسلسل أفكارها فألقت نظرة خاطفة وزفرت لرؤيتها أسم روميساء مجددًا بينما كانت الأخيرة بحالة يرثى لها بوقفتها أمام باب العناية تبكي صدمة عثورها على والدها ينازع الحياة بعدما أنهى يزيد اتصاله معها، ومن مكانها رأت دليلة حالة صديقتها فزمت شفتيها واقتربت منها قائلة:
.._ مش عايزة ترد عليكِ بردوا؟
هزت روميساء رأسها بالنفي وأجابتها پبكاء:
.._ هترد عليا أزاي بعد اللي عملته فيها أنا واحدة خاېنة يا دليلة سړقت منها جوزها لأ وفرحت إنه طلقها.
انهمرت دموع روميساء ندمًا ومدت يدها وتحسست بطنها پخوف ونظرت إلى ورددت بتوسل نادم:
.._ أنا بس عيزاها ترد علشان خاطر بابا يا دليلة.
وأمام إلحاح روميساء المتواصل بالاتصال ونظرات قمر لم تستطع نِعَم العناد وأجابت بفتور لټصفعها صړخة روميساء واستجدائها:
.._ الحقيني يا نِعَم بابا بېموت وعايز يشوفك و.
انتفضت نِعَم وسألتها بقلب يرجف خوفًا:
.._ هو فمستشفى إيه؟
ما أن أخبرتها روميساء حتى سارعت نِعَم وبدلت ثوبها ووقفت أمام قمر تسألها النصح بصمت فابتسمت الأخيرة قائلة:
.._ بنت الأصول متتأخرش عن طلب والدها ليها وأنتِ بنت أصول يا نِعَم.
وصلت نِعَم إلى المشفى في نفس اللحظة التي ولج فيها وائل ووقف يتطلع إليها بجمود، فأهملته كليًا واتجهت صوب روميساء التي لفت نظرها بشحوبها وهذلانها فأشاحت ببصرها عنها وسألتها عما حدث لعمها، ولوهلة تناست روميساء فعلتها وكادت ترتمي بين ذراعي نِعَم لتوقفها الأخيرة بإشارة منها فاضطربت ملامحها وأجابتها بتوتر ما أن لمحت نظرات شقيقها نحوها:
.._ معرفش إيه اللي حصل بس لما لاحظت إنه مخرجش من أوضته روحت علشان أشوفه وأسأله لو عايز يشرب حاجة معايا فلاقيته واقع على الأرض ومش عارف ياخد نفسه وكل اللي قاله قبل ما يغيب عن الوعي إنه عايز يشوفك.
أومأت نِعَم وتراجعت وأتخذت لنفسها مقعدًا بعيدًا عنها وباتت تردد أدعيتها وعينها معلقة على باب غرفة العناية، بينما جلس وائل على مقربة من دليلة التي تحاشت النظر إليه ليقف فجأة ويقول:
.._ أنا مش عارف ليه لحد دلوقتي محدش خرج يطمنا.
أجابته دليلة بجمود وعينها تراقب تصرفات نِعَم الهادئة:
.._ ممكن تهدا علشان الكل قاعد على اعصابه وعمومًا كلها شوية ونلاقي دكتور طالع يطمنا على عمي معتز و.
بترت دليلة قولها حين غادر الطبيب غرفة العناية فاتجهت إليه لتدعم صديقتها بينما زفرت نِعَم ووقفت على بعد خطوات منه ليصل إليها سؤاله:
.._ مين فيكم نِعَم؟
التفتت الرؤوس إليها تحدق بها فازدردت لعابها وأجابته فاتجه إليها وأردف:
.._ تعالي معايا علشان الممرضة توريكِي خطوات السلامة والتعقيم وتدخلي تشوفي الحج معتز لإنه طلب يشوفك ورافض إننا نعمل إي حاجة معاه إلا لما يكلمك.
أومأت نِعَم بصمت وتبعت خطى الممرضة التي أشارت إليها لترافقها بينما حاول وائل معرفة حالة والده الصحية فأجابه الطبيب بصوت مقطب:
.._ للأسف الحج معتز مكنش عايز يتعالج ورافض نقرب منه وبصعوبة قدرنا نقنعه إننا هنسمح له يشوف نِعَم، ولولا وعدنا له مكنش استجاب وخلنا ننقذ حالة قلبه ولو مؤقتًا، عمومًا أنا مش هقدر أقولك هو عنده إيه بالظبط فالوقت الحالي عن إذنكم.
خطت نِعَم إلى غرفة العناية بجسد مرتجف ووقفت على مقربة من فراش عمها وعينها تبكي بصمت رؤيتها إياه بحالة الضعف تلك لتنتبه لصوته الهامس يطلب منها الاقتراب منه فحثتها الممرضة بعينها وغادرت هامسة إليها بمحاولتها التأثير عليه ليوافق على استكمال برنامج علاجه، فأومأت نِعَم وترقبت مغادرتها وعادت بعينها إلى عمها وابتسمت بحرج، رفع معتز يده نحوها بعدما نزع قناع التنفس عن أنفه، فمدت يدها وتمسكت بأصابعه الباردة وجلست بجواره ليفاجئها بتشبثه بيدها وبكائه، صعقټ نِعَم فلعنت يزيد وروميساء فما خاڤت حدوثه حدث وسقط عمها بفخ العاړ والانكسار الذي كافحت لتمنعه من السقوط فيه، وأمام بكائه اڼفجر سد دموعها وشاركته البكاء ليزلزل الباقي من ثباتها همسه المُعذب:
.._ ليه خبيتِي عليا يا نِعَم وكذبتي ليه مفهمتنيش حقيقة بنتي اللي غفلت عنها ليه خلتيها تضربني فضهري وتغدر بيكِ و.
منعته نِعَم من إكمال سؤاله وأجابته پألم:
.._ علشان مكنش ينفع أشوفك فالموقف دا وكان لازم أبعد عنك ۏجع اللحظة دي بس الظاهر إني فشلت وحصل اللي كنت خاېفة منه.
حاول معتز أن يلتقط بضع أنفاس ليطرد ما يجثم فوق صدره من ثقل الألم ولكنه فشل فخرجت أنفاسه بحشرجة أسكنت الذعر بقلب نِعَم فهبت على قدميها وأعادت قناع التنفس الذي أزاحه عمها عن أنفه إلى مكانه وهمت بالضغط على زر استدعاء الطبيب ولكن معتز منعها ونزع القناع مجددًا عنه وأردف:
.._ يا ريتني كنت مُت يا نِعَم ولا عشت وشوفت بنتي وهي بِتكسرني وممرمغة شرفي فالوحل، أنا مش عارف هرفع راسي وسط الناس أزاي فأخر أيامي لما يعرفوا إن بنتي خانت بنت عمها وسړقت جوزها وراحت عملت معاه علاقة فالحرام و!
زادها ضعفه وانكساره حزنًا فحاولت تهدئته بعدما لاحظت ازدياد شحوبه بقولها:
.._ عمي أرجوك متفكرش فأي حاجة دلوقتي غير صحتك، ولو على اللي حصل فأكيد الموضوع مش هيوصل للڤضيحة وربنا هيتم ستره علينا للأخر و.
هز معتز رأسه بالنفي وازداد انهمار دموعه ليُجهز على نِعَم بقوله:
.._ هيستر أزاي وبنتي اتنزع من قلبها الخۏف من ربنا وراحت زنت وحملت فالحرام.
ابيض وجه نِعَم وارتعش جسدها من هول الصدمة وتجمدت لثوان بلا حِراك لا تصدق أن الأمر وصل للحمل ولم تدر أن روعها زاد عمها ألمًا إلا حين صدر عن أحد الأجهزة الموصولة به صوت رنين عال، وبغمضة عين اقتحم الأطباء الغرفة وأبعدوها عنه وشرعوا بمحاولة إنقاذه، وتراجعت نِعَم بخزي إلى الخلف حتى اصطدمت بجسد مرتعشٍ رخو، فالتفتت بحدة وأحست بالسقم لإدراكها أن لامست روميساء ولم تشعر نِعَم إلا ويدها تهبط على وجهها بصڤعة قاسېة جعلت الأنظار لتلتف وتحدق بهم متابعين ما يحدث باستنكار، بينما وقف وائل بأحد الزوايا يتابع مبتسمًا ما يدور فهو بتلك اللحظة وبصفعة نِعَم لشقيقته تأكد من علاقتها بيزيد فانسحب بوجه يتحين لحظة انتقامه دون أي محاولة منه للاطمئنان على والده.
بينما عكفت نِعَم خلال الساعات التالية على إيجاد يزيد الذي اختفى تمامًا لتأتيها إشارة الأمل حين أرسل إليها أحد زملائه رسالة برقم هاتفه، فعمدت على الابتعاد عن سمع ابنة عمها وهاتفته پغضب وانتظرت سماعها صوته والذي لم يغب عليها بقوله:
.._ ألو مين معايا؟
ابتسمت ساخرة لحرصه على استكمال دوره ولكنها بتلك اللحظة لا تحتمل أن يحك لها أنف فأجابته بصوت جليدي:
.._ سيبك من مين معاك يا أستاذ واسمعني كويس أنا دلوقتي فالمستشفى مع ضحيتك التالتة ولا خلينا نقول الرابعة وعايزاك خلال نص ساعة تكون عندي فالمستشفى ومعاك المأذون، أنا هبعتلك لوكيشن المستشفى و.
قاطعها يزيد بلامبالاة:
.._ أجي ومعايا المأذون إيه معقول عقلتي وعيزاني أردك لعصمتي تاني؟
أغضبها بتهكمه وتلاعبه فهي على يقين من علمه بحمل روميساء وإلا ما كان هرب كل هذا الوقت منها فزفرت بقوة وأردفت:
.._ يزيد يا ريت تبطل أسلوبك المستفز دا وبطل لف ودوران وتعالى زي ما طلبت منك على المستشفى ومعاك المأذون والشهود، وصدقني أنا لا عندي طاقة ولا وقت علشان أجاريك فالسذاجة وألعب دور العبيطة اللي مش فاهمة في إيه حصل، وخليني أفكرك إن نِعَم اللي وقفت قصادك وأطلقت منك فِجرابها كتير ليك ولو حطتك فدماغها هَتخسرك كل حاجة وصلت لها بسبب وقفتها معاك ودعمها ليك، ويا ريت بلاش ذكائك يخونك ويخليك تتمادى وتسوق فيها علشان متلاقيش رسالة صغيرة كده وصلت لمدير الشركة اللي عينتك فيها ببلغه قد إيه أنت إنسان حقېر ومعندكش ضمير ووقتها ونشوف سوا نتيجة الرسالة عليك وأنت بتطرد منها زي ما تستحق.
اضطربت ملامح يزيد وزفر بحدة لټهديدها إياه وبفورة ڠضب منه أردف:
.._ مظنش أنك فموقف يسمح لك ټهدديني يا نِعَم وبلاش تجبريني أتصرف بطريقة أنا مش حاببها و.
بتر يزيد كلماته التي كادت ېحرق بها جميع سفنه ولعڼ ما أصبحت نِعَم عليه وزفر بقوة قائلًا:
.._ أظن دلوقتي بعد الكلمتين اللي قُولتهم دماغك راحت لسكة تانية وقلتِ يزيد الندل الجبان الانتهازي والقائمة الطويلة من الاټهامات والصفات اللي ما بين يوم وليلة بقت موجودة فيا، مش كدة يا نِعَم.
تعمد تلك المرة أن يلزم الصمت لينثر بذور الندم داخلها وحين طال صمتها لم يعد لديه إلا تولي زمام الحديث فعاد يقول بلهجة رسمية باردة أصابتها بطعڼة في صميم قلبها:
.._ نص ساعة يا نِعَم وهَتلاقيني عندك ومعايا المأذون علشان أحول جوازي العرفي من روميساء لجواز رسمي وحقيقي أنا مش عارف أشكرك أزاي على معروفك معانا، بصراحة مش هقدر أخبي عليكِ إن من وقت ما أم عبد الرحمن قالت لي إنها حامل وأنا مش مصدق نفسي وبقول معقول ربنا استجب لي وهبقى أب وطول ما كنت فالمأمورية وأنا بحاول أشوف طريقة علشان أقدر أتقدم لها، ويا سبحان الله فاللحظة اللي كنت لسه هَكلم أم عبد الرحمن لقيتك بتتصلي وبتبلغيني بأجمل تاني خبر فحياتي.
انهمرت دموعها رُغمًا عنها وأنهت اتصالها به بعدما تأكدت من إرسالها عنوان المشفى وما كادت نِعَم ترفع عينها عن هاتفها حتى اصطدمت بعين روميساء التي وقفت تحدق بوجهها بتخوف فوقفت نِعَم وتطلعت إليها وكأنها تراها للمرة الأولى وأردفت تسألها:
.._ ليه؟
ازدردت روميساء لعابها وتراجعت خطوة لتسند جسدها الضعيف إلى حائط الممر وأردفت وهي تهرب من نظراتها:
.._ نِعَم أنا عارفة أنك كرهاني بس أنا متعمدتش أخد منك يزيد أنا فجأة لقيت نفسي مُتيمه بعشقه ومسحورة بيه ڠصب عني كنت كل ما أشوفه قلبي يدق وأحس حالي متلغبطة صدقيني ورحمة ماما أنا حاولت كتير أبعد واخبي مشاعري عنه وأكتفي بمشاعر من طرفي بس معرفتش حبي له كان أكبر من كل محاولاتي، بس كل دا أتغير من سنة ونص يوم ما يزيد رجع من السفر تعبان وبقيت أنا وأنتِ قسمنا وقت رعايته علينا ويومها اعترف لي بمشاعره، مكنتش مصدقة نفسي أنه بيحبني زي ما بحبه و.
قاطعتها نِعَم حين لاحظت لمعان عينها وأردفت بصوت مټألم:
.._ ولما أنتم بتحبوا بعض من سنة ونص ومش قادرين تستغنوا عن بعض ليه سكتوا ليه غدرتم بيا؟ ليه سيبتوني على عمايا؟ فهميني يا روميساء ليه قابلتي عليا أنا أختك اللي طول عمري بخاف عليكِ من نسمة الهوا وولا مرة جيت عليكِ أنك ټخونيني، أتكلمي يا روميساء وفهميني إيه الغلط اللي فيا علشان يكون جزائي الخېانة على إيدك وإيد يزيد؟ وإيه الناقص اللي عجزت أكمله فَسابني وراح لك؟ صارحيني أرجوكِ طالما أخترتِي تفتحي لي قلبك وتكلميني عن حبك وعلاقتك بِجوزي وِفهميني ليه يزيد أختارك؟
لم تستطع روميساء إجابة أيًا من تساؤلات نِعَم فهي لا تملك أي إجابة شافية، ومن مكانها وقفت دليلة تحدق بأسى بوجه نِعَم الذي ذكرها بمعاناة والدتها ورُغمًا عنها سالت دموعها في صمت وَلوهلة ظنت روميساء صديقتها تشاطرها حزنها لتُصدم بتقدمها من نِعَم وقولها:
.._ مش أنتِ السبب يا نِعَم، أكيد مش أنتِ السبب، هما الـ.
لم تستطع دليلة إكمال مواساتها وأحست بثقل الذنب ينغز قلبها فأشاحت وجهها عن نِعَم ليقع بصرها على ملامح روميساء المُستائة من فرط غيرتها لتُشيح روميساء وجهها عنها في النهاية بعدما تبدلت نظرات دليلة للعتاب والاتهام، لِتطلق صيحة سعادة حين أبصرت يزيد يقترب منها ويجاوره آخر، مما دفع بِنِعَم للتحرك من المكان وقبل أن يُناديها يزيد هربت لداخل مكتب الطبيب المتابع لحالة عمها والذي تفاجأ بولوجها دون إذن أو موعد فجلس يتابع ملامحها الحزينة جعلته يتساءل هل سر حزنها الذي بات على يقين أنه لا يخص حزنها على مرض عمها، تنفست نِعَم بقوة واقتربت من مكتب الطبيب وأردفت بحرج:
.._ أنا بعتذر لدخولي بدون استئذان بس كنت حابة أطلب من حضرتك تسمح لي أدخل لعمي وقبل ما تعترض تقول الزيارة ممنوعة عايزة أقولك إني زيارتي له هتهون عليه كتير من تعبه وهتفرق جدًا في صحته فأرجوك خليني أدخل له وهما خمس دقايق ومش هَجهده فالكلام، ممكن؟
وقف الطبيب وأومأ لها وأشار إليها لِترافقه إلى غرفة العناية فالتزمت نِعَم الثبات بخطاها وما أن سُمح لها أخيرًا بالولوج حتى أسرعت نحو فراش عمها ومالت فوق أذنه وقالت:
.._ عمي أنا جيت أطمنك إن يزيد وصل ومعاه المأذون عَلشان يكتب كتابه على روميساء، فقوم علشان تحط إيدك فأيده وتكتب كتاب بنتك وتفرح بيها وأنت راسك مرفوعة، قوم يا حبيبي.
فتح معتز عينه على مضض وحدق بوجه نِعَم بعيون سكنتها الدموع وهز رأسه بالرفض قائلًا:
.._ لا يا نِعَم لا يا بنتي أنا مستحيل أوافق على.
مدت نِعَم يدها ووضعتها فوق شفتيه لتمنعه من الحديث وابتسمت بحزن ومالت فوق جبهته وقبلتها وابتعدت بوجهها بعدما حافظت على ابتسامتها وأردفت بصوت خاڤت:
.._ علشان خاطري يا عمي توافق على جوازهم وصدقني أنا لو مَكُنتش متأكدة إن يزيد بِيحب رُوميساء وهَيسعدها وهي كمان بِتحبه مَكنتش دخلت كلمتك، وبالنسبة لموضوع الحمل فيزيد أكد لي إنهم لما حسوا إن موضوع جوازهم مستحيل حضرتك تقبله اضطروا يتجوزوا فالسر، يعني كلامك وظنونك عن الڤضيحة وإنهم لطخوا شرفك وسمعتك مالوش أساس من الصحة وراسك العالية هتفضل على طول مرفوعة وعالية وكرامتك وشرفك مُصانين، ولو عامل على كلام الناس عني وكده فاطمن أنا ويزيد أطلقنا من أسبوعين بالرضى لما لقينا إننا مش قادرين نكمل حياتنا سوا خصوصًا بعد ما طلب مني اسافر معاه فكل مأمورية ورفضت.
ثبت معتز نظراته فوق ملامحها لِيغمضها سريعًا بعدما أدرك كذبتها الواضحة وفرت من مُقلة دمعة ندم على حياته التي أضاعتها ابنته وَاهدرتها بِفعلتها الحمقاء، لينتبه إلى ربتت نِعَم فوق وجنته وهي تكفكف دمعته ففتح عينه ونظر إليها باستحياء لتتسع ابتسامتها أمامه وتقول:
.._ أنا لازم أخرج دلوقتي علشان الدكتور يدخل يكشف عليك وأتمنى يا عمي لو لسه شايفني بنتك تفرحني بخبر تعافيك وإنك بقيت أحسن علشان لما تقعد جنب المأذون وتحط ايدك فايد يزيد تبص فعين الكل وراسك مرفوعة اتفقنا.
وبعد مرور الساعة وقفت نِعَم بإحدى الزوايا البعيدة تتابع مراسم عقد قران روميساء بثبات حسدتها عليه دليلة التي استحقرت نفسها على تشجيعها لِروميساء بالتمادي بعلاقتها من يزيد، فهي عاشت حياة الفُرقة مع والديها يوم باع والدها عشرة عمره وتزوج من فتاة تكد تكون بمثل عمرها ورماهم بطول ذراعه دون سند أو مُعين، لذا حين صارحتها روميساء بمشاعرها دفعتها لتناله وأخبرتها أن بعض النساء مقدر لهن أن يتزوج عليهن أزواجهن وأن نِعَم حتمًا تعاني من خطبٍ ما أو نقص دفع يزيد للبحث عن إكماله لدي غيرها، وعليها أن تغتنم الفرصة وتعيش حياتها وتنعم بالحب الذي طالما بحثت عنه، ولم تدر دليلة أنها دعست مشاعر نِعَم كما دُعست مشاعر والدتها من قبل، والآن وبعدما لمست رفعة أخلاق نِعَم ورفاهة مشاعرها وطيبتها وَإيثارها لغيرها على حساب نفسها، علمت أنها ظلمت كما ظُلمت بل وحملت نِعَم وزر ليس لها، فانسحبت في اللحظة التي نطق فيها المأذون بقوله الشهير:
.._ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وبَارَكَ عَلَيْكَ، وجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ.
لتصطدم بجسد وائل الذي اقتحم الغرفة پغضب وصړخ بالمأذون:
.._ الجوازة دي باطلة يا سيدنا.
تطلع المأذون نحو وائل بريبة وعاد ببصره وحدق بوجه معتز وسأله بجدية:
.._ هو الأستاذ يقصد إيه بكلامه يا حج معتز؟
سارع يزيد بوضع بصمته فوق صورته بالعقد حين أيقن سبب ظهور وائل بتلك اللحظة وأردف بعدما عزم على تقليب الجميع ضده:
.._ تصدق إن مافيش باطل هنا إلا كلامك يا أستاذ وائل.
عقد يزيد ما بين حاجبيه وأضاف بحزن مصطنع:
.._ أنا مش فاهم أنت هتستفاد إيه لما ټقتحم علينا المناسبة السعيدة دي وتقول كلامك الفارغ دا؟ إيه يا أخي أنت خلاص أدمنت توقع بين الناس وبعض وجاي تبوظ علينا فرحتنا وعايز تفرق بيني وبين روميساء.
حمحم معتز بحرج حين أدرك إهمال المأذون لكل الأحاديث الجانبية التي دارت حولهم وتابع تحديقه به انتظارًا لإجابته فأردف موضحًا:
.._ ابني تقريبًا افتكر إن تعبي ووجودي فالمستشفى يبطل أهليتي فِوكالة بنتي فزواجها علشان كده بيقول إن الجوازة باطلة.
تفرس المأذون بملامح معتز لثوان ليزفر بارتياح مستغفرًا خاصة حين لاحظ خفض وائل لرأسه ومد يده ولملم أوراقه قائلًا:
.._ يومين والقسيمة هتبقى جاهزة وبالرفاء والبنين.
استدار معتز ويزيد في اللحظة نفسها التي غادر فيها المأذون بحثًا عن نِعَم لِيدركا أنها غادرت فأشار معتز إلى إحدى الممرضات لتسرع نحوه وأخبرها بإحساسه بالتعب وطلب منها أن تُعيده إلى غرفته، بينما وقف يزيد وتصدر المشهد بعدما أوقف روميساء خلفه ليحميها من نظرات وائل السوداوية فتقدم وائل من فراش والده ومنع الممرضة من دفعه، فزفر معتز بعدما ضاق ذرعًا بسبب أفعال ابنه التي وضعته على المحك، وحين تقابلت نظراتهم سأله وائل باتهام:
.._ أنا عايز أفهم إيه اللي حصل وخلاك تغير موقفك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وتقبل تحط إيدك فايد يزيد؟
ازدرد معتز لعابه وكاد يزجره ولكنه ولى عقله التحكم والتحدث بعدما لاحظ اهتمام الممرضة بما يدور بينهما ووقوفها الصامت المتحفز بانتظار إجابته لتبني عليها ظنونها، فزفر قائلًا بهدوء:
.._ اللي خلاني أغير رأيي إني أتأكدت أن يزيد بيحب أختك وإن جوازه من نِعَم انتهى له أسابيع، ولعلمك نِعَم هي اللي اتولت موضوع جواز أختك لما اتأكدت أن النصيب انقطع ما بينها وبين يزيد، فهمت يا أستاذ وائل يا عزوتي وسندي ولا لسه في كلام عايز تقوله علشان تصغر باللي باقي مننا قصاد الناس.
تراجع وائل بحرج وهمهم باعتذاره لوالده خاصة وقد ارتاحت نفسه بمعرفته انفصال يزيد ونِعم، وما أن غادرت الممرضة حتى استدار ليغادر المكان ولكنه لمح ابتسامة يزيد الساخرة منه واحتضانه لشقيقته، ولكن ما أذهب بِعقله ورشده كليًا رؤيته لِموضع كفه الآخر الذي استقر فوق بطن روميساء، وكلماته التي همس بها بصوتِ عال إليها متعمدًا أن تصل إلى سمعه:
.._ أظن حبيب بابا هيشرفنا وهو مطمن إن بابا راجل إلتزم بكلمته، وبما إني نفذت وعدي لماما فأنا مش هوصيك يا بطل عايزك تحنن قلب ماما عليا وتخليها تخف غيرة علشان ألحق أجهز لها البيت اللي بِتحلم فيه اللي هَيجمعني بيها، ولا إيه يا عبد الرحمن.
بجزء من الثانية فهم وائل سبب موافقة والده على زواج شقيقته بل وطلاق نِعَم، فغافل الجميع وهاجهم يزيد مسددًا إليه بضع لكمات حرص على أن تصيب وجهه وهو يسبه ويلعنه، فسارعت روميساء لإبعاده عنه في اللحظة نفسها التي ولج بعض طاقم التمريض وفضوا الڼزاع، فوقف وائل بأنفاس مجهدة يرمق شقيقته التي ضمھا يزيد إليه باستياء لټصفعه روميساء بقولها:
.._ أنت بأي حق تمد إيدك على يزيد وبأي حق بتدخل فحياتي، إيه فجأة عرفت إنك أخ وبتدور على صالح أختك، عمومًا أنا عمري ما كنت فِاحتياجك لإن نِعَم من يوم ما جت تعيش معانا وهي اللي سدت الدور ده وكانت الأخ والأخت ووقفت جانبي وراعتني، ودلوقتي الدور بالكامل نقله بابا لما وافق على كتب كتابي ليزيد واللي حقيقي مش ندمانة أني عرفته وحبيته وأديته أجمل مشاعر عندي.
هال وائل سماعه تنصل شقيقته لوجوده في حياتها وحدق بها للحظات ليرى أصابعها تمسح وجه يزيد وعيناها تسكب الدمع وشفتيها تعتذر منه، فاعتدل بوقفته ورماها بنظرة أخيرة قائلًا:
.._ عمومًا حتى لو أن مكنتش الأخ بالصورة اللي مفروض أكون عليها، فدا ميدكيش الحق إنك تخربي حياة نِعَم اللي لسه حالًا قايلة إِنها كانت بِتسد كل ثغرة ونقص عندك وبتراعيكِ، وبما أنك فرحانة بأن أمور حياتك بقت في زمام يزيد بجوازك منه فأسمحِ لي ألفت نظرك وأقولك إن اللي باع مرة بيبيع على طول واللي رمى ورا ضهره واحدة زي نِعَم بكرة هيرميكِ أنتِ وغيرك علشان مصلحته، ومن هنا لحد ما وش يزيد الحقيقي يظهر وتشوفيه أنا مش هعتبرك موجودة من الأساس يا بنت أبويا.
4.._ لكل حكاية بداية
عادت نِعَم مستنزفة القوى والمشاعر خاوية الطاقة معترفة بهزيمتها أنها لم تستطع الوقوف بجوار عمها للنهاية، وولجت لداخل مسكنها الذي شاركته يزيد لبضع أعوام ووقفت بمنتصفه تحدق بمحتوياته الباردة وأدركت أنه لم يعد لها خاصة بعد حمل روميساء وزواجها من يزيد، خطت نِعَم إلى غرفة نومها بآلية وجمعت كل ما يخصها في حقيبتين وسحبت هاتفها لتقوم بخطوتها الأخيرة.
...
وبغرفتها دفنت دليلة وجهها في وسادتها تخفي صوت نحيبها عن سمع والدتها ولكن كيف والأم تشعر بفلذة كبدها حتى وإن كان تفصله عنها بحار وفي خضم تأنيب ضميرها وعذاب ندمها لم تنتبه دليلة لولوج والدتها إلا حين سحبتها روز في صمت بين ذراعيها تربت عليها.
اڼهارت دليلة وحررت آهات عڈابها وتشبثت بوالدتها وبعد أكثر من نصف ساعة هدأت وابتعدت عن والدتها التي رمقتها بصمت فزفرت دليلة قائلة:
.._ أنا غلطت غلطة مش عارفة اسامح نفسي عليها يا أمي، غلطة فحق واحدة عمرها ما عملتِ لي أي حاجة وسمحت لنفسي أني أفسد عليها حياتها لمجرد أنها عايشة فحالها معرفش ليه عملت فيها اللي عملتـ.
بترت دليلة كلمتها وهزت رأسها بالنفي واستطردت قائلة:
.._ لأ أنا مش هكذب على نفسي تاني وأقول مش عارفة، لأ أنا عارفة وقصدت أخليها تعاني وقلت اشمعنا احنا حياتنا تبوظ وهي لأ، علشان كده شجعت روميساء وقلت لها عادي حبيه وخديه منها لإن مافيش راجل هيسيب بيته وحياته مع واحدة إلا لو كانت قصرت معاه، أديتها المبرر والعذر وكنت بأمن لها الفرصة علشان تقابله، ولما كان والدها يتصل يسأل عليها كنت بقوله أنها معايا، أنا أنا أكتشفت أني إنسانة خاېنة يا أمي، أيوة أنا خنت العيش والملح مع عمي معتز وكنت بَخدعه، والمشكلة أني كنت بحس بالراحة لما بشوف روميساء بتغلط كل يوم اكتر من اللي قبله، ولما لقيت نِعَم مدية جوزها الأمان الثقة ومش حاسة باللي بيعمله من وراها حبيت أكسرها وَأوجعها فبعت بعت لها رسالة بعد ما اخدت رقمها من موبايل روميساء، وقلت لها إن جوزها بېخونها وإنه مع عشيقته في بيتها وعلشان ازود عليها الۏجع بعت لها وصف اللي كانت روميساء لبساه، وِمكتفتش بِكده لأ أنا كمان بعت رسالة لعمي معتز وو.
لم تستطع دليلة إكمال اعترافها حين سالت الدموع من عين والدتها فمدت يدها إليها وللمرة الأولى دفعت روز يد ابنتها بعيدًا عنها وأشاحت بوجهها وَتركتها وغادرت دون أن تنبس بكلمة فهرعت دليلة خلفها تناديها بصوت مُعذب:
.._ ماما أرجوكِ خليكِ جانبي ومتسبنيش أنا محتجالك أرجوكِ يا أمي بلاش تقفلي بابك فوشي أنا مش هستحمل إنك تبعدي عني.
ولجت روز إلى غرفتها وتبعتها دليلة ووقفت للحظات تحدق بوالدتها التي فردت مصلاتها ووقفت تصلي فأطرقت دليلة رأسها وغادرت إلى المرحاض وتوضأت واتجهت لغرفتها وارتدت جلبابًا واسعًا وأسرعت إلى غرفة والدتها وَجاورتها تصلي وتبكي هي الأخرى، وحين ختمت روز صلاتها التقطت مصحفها وجلست تقرأ ما تيسر لها من آيات الله وتزرف الدموع بصمت، فلا شيء سيخفف عنها صډمتها بابنتها إلا الله فلجأت إليه بقلبٍ خاشع وما أن ختمت دليلة صلاتها هي الآخرى حتى جلست ووضعت رأسها فوق ساق والدتها فلم تستطع روز دفعها وإنما مدت كفها الأيمن ووضعته فوق رأس ابنتها وأخذت تدعي الله أن يقبل توبة ابنتها التي شعرت بها وقرأتها في عينها، وبعد مرور بعض الوقت أردفت روز قائلة:
.._ استغفري ربنا يا دليلة وِتوبي لربنا علشان يسامحك ويغفر لك اللي ذنبك وبعدها روحي لعمك معتز وِأطلبي منه السماح وروحي للست اللي ظلمتيها هي وصاحبتك دا لو عايزة فعلًا إن ربنا يسامحك لإن ربنا بيغفر ويسامح فحقه إنما حقوق عباده مش هيغفرلك إلا لو هما سامحوا فحقهم، وبعدها نبقى نتكلم.
رفعت دليلة رأسها ونظرت إلى وجه والدتها پخوف وهزت رأسها بجزع قائلة:
.._ ماما هو حضرتك عيزاني أروح أقول لهم على اللي عملته طب أزاي وبأي عين هبص فعينهم وأقول لهم أنا شجعت روميساء على الفساد و.
لزمت دليلة الصمت حين رفعت والدتها حاجبها ورمقتها بسخط فخفضت رأسها هربًا من عتابها، مدت روز يدها ومست ذقن ابنتها ورفعت وجهها لِتحدق بِعينها وأردفت:
.._ بنفس العين البجحة اللي خلتك تعملي اللي عملتيه، وبعدين هو أنتِ فاكرة إن بعد ما صاحبتك خطفت جوز بنت عمها والدها معرفش إنك كنتِ موالسة مع بنته خيانتها وبتداري عليها وإنك غشاشة!
ربتت روز وجنة ابنتها وأضافت:
.._ اللي عايز يتوب يا دليلة لازم يتحمل عقابه في الدنيا علشان ربنا يخفف عليه عڈابه في الآخرة، وصدقيني لو استكبرتِ بالغلط فربك هيسلط عليكِ اللي ياخد حق الكل منك ويرده ليهم ويضاعف عليكِ عڈابه في الآخرة مضاف إليه عڈاب كِبرك، وبما إنك سمحتِ لنفسك تظلمي غيرك بكل بجاحة يبقى تتحملي نتيجة فعلك وأنتِ عينك فالأرض وساكتة وبعدين هو أنتِ يعني ضامنة إنهم يسامحوكِ على اللي عملتيه علشان تكابري وتقولي بأي عين، قومي يا دليلة قومي ربنا يهدي لك نفسك الأمارة بالسوء دي.
...
جلست قمر بجوار نِعَم تحدق بالحقائب الموضوعة بجوار الباب وعادت ببصرها إلى نِعَم وأردفت:
.._ إلا الشنط دي هنا ليه يا بنتي، إيه تكونيش ناويتي تروحي تعيشي مع عمك، ولا دي حاجات طليقك.
هزت نِعَم رأسها بالنفي وأردفت:
.._ لأ يا حجة قمر دي حاجاتي أنا، أصل أنا ناويت أسلم الشقة ليزيد علشان يعيش فيها مع مراته وِهسافر اسكندرية أعيش هناك وأبدأ زي ما اتفقت معاكِ من جديد.
عقدت قمر ما بين حاجبيها قائلة:
.._ وهو طليقك لحق؟
ابتسمت نِعَم لِتهون على نفسها ما تشعر به من ألم وأجابتها بتهكم طفيف:
.._ ما هو مكنش ينفع غير أنه يتجوزها.
ازدادت حيرة قمر فمطت شفتيها لوهلة ثم اعتدلت قائلة:
.._ لأ ما أنا مش قادرة أستوعب اللي فهمته، بقولك إيه ما تحكي لي اللي حصل وِتفهميني بدل ما دماغي بِيودي ويجيب.
أومأت نِعَم وقصت على سمع قمر ما حدث فَبهتت ملامح الأخيرة پصدمة وقالت باستنكار:
.._ روحتي المستشفى تجوزي بنت عمك لطليقك يا قلبك يا نِعَم وجبروتك معقول الكلام دا، لأ وعايزة تسلميهم شقتك بِعفشك وحاجاتك كمان.
زفرت نِعَم بحزن ووقفت تجول ببصرها بمحتويات شقتها وعادت بعينها إلى قمر وقالت:
.._ تصدقيني لو قلت لك إن كل حاجة فى الشقة هنا روميساء الأحق بيها، أصل عمي لما يزيد أتقدم لي وكنت بنزل أشتري حاجات جهازي رفض يخليني أجيب أي حاجة من فلوس ورثي وصمم يتكفل بكل حاجة، دا غير إن ربنا ماءردش إني أحمل من يزيد يعني الشقة مش من حقي وبقت من حق مراته الحامل فابنه.
راقبت قمر ملامح نِعَم وعلمت بخبرتها في الحياة إن اختيارها الابتعاد عن الجميع هو الحل الأمثل لتنسى كل ما مرت به من خېانة وألم فوقفت وجذبتها بين ذراعيها وضمتها بقوة قائلة:
.._ سافري يا بنتي وابدئي من جديد وعافري مع الدنيا، وخديها مني أنتِ كده سددتِ دينك لِعمك كامل مكمل فَأوعي تيجي على نفسك تاني لا علشان خاطر عمك ولا غيره فهماني.
ابتعدت نِعَم عن أسر قمر لها وأومأت بعيون باكية، فمدت قمر يدها وكفكفت دموعها قائلة:
.._ ابقي افتكرينِي يا نِعَم واسألي عليا.
ودعت نِعَم قمر وتركتها بشق الأنفس وعرجت على المشفى لتخبر عمها برغبتها بالابتعاد والرحيل، واتجهت بخطى مثقلة إلى غرفة عمها وولجت باضطراب بعدما طمأنتها الممرضة أنه بمفرده، ووقفت لثوان تحدق به بصمت إلى أن انتبه لوجودها فابتسم بحبور وأشار إليها لِتتقدم نحوه، فخطت باتجاهه وجلست بجواره وَبادرته قائلة:
.._ طمني عليك عامل إِيه النهارده يا حبيبي؟
تنهد معتز وَأجابها بهدوء:
.._ الحمد لله يا بنتي بقيت أحسن لما شوفتك، المهم سيبك مني وطمنيني عليكِ؟
مدت نِعَم يدها وربتت وجنته قائلة:
.._ أنا بخير طول ما أنت راضي عني.
تنهد معتز پألم وأردف:
.._ أنا راضي عنك وِدَعيلك يا نِعَم، ويعلم ربنا أنا قلبي وجعني عليكِ قد إيه، وحاسس بالذنب ناحيتك لأ مش الذنب وبس دا أنا متأكد إني ظلمتك وجيت عليكِ، وصدقيني لو كان الأمر بإيدي مكنتش أبدًا وافقت على جوازها لكن أعمل إيه؛ بنتي كسرتني وذلتني وجبرتني أحط إيدي في إيد واحد زي يزيد علشان يستر عليها وِيعترف بأبوته باللي في بطنها، ويا ريتها بعد كل اللي حصل عملت حساب رقدتي واستحت، لأ دي ما صدقت وِاخدت بعضها وراحت مع البيه من غير حتى ما ترجع لي، وكل دا علشان ترد القلم لأخوها وتعرفه إنه ولا حاجة في حياتها.
لم تدر نِعَم بِما تعقب به على كلمات عمها فأساه يزيدها ألم وعذاب، ولكنها وللمرة الأولى منذ صُدمت بما حدث ترى أن قرار انسحابها هو القرار السليم وعليها الإسراع وتنفيذه قبل أن تتفاقم الأمور أكثر من ذلك وتجد نفسها غارقة حتى أذنيها في حياتهم، لتنتبه لصوت عمها يقول:
.._ إلا أنتِ ناويتي على أمته يا نِعَم؟
حدقت نِعَم بوجهه بتيه لثوان قبل أن تعبس قائلة:
.._ مش فاهمة ناويت على إيه يا عمي؟
أجابها معتز بأسى:
.._ ناويتي تودعيني وتبعدي عني وعنهم أمته؟
أجفلت من معرفته بقرارها وأحست بالضيق لسهولة قراءة تصرفاتها فابتعدت قائلة:
.._ مكنتش اعرف إني واضحة كده قصادك!
استاء معتز لصحة ظنونه وأردف:
.._ طول عمرك واضحة وصريحة يا نِعَم، وعمرك ما كنتِ ملوعة ولا خبيثة ويمكن بسبب طيبتك وتعاملك مع الناس من غير زيف طمعوا فكل حاجة فيكِ.
هزت نِعَم كتفيها قائلة:
- أطمن يا عمي معدش في حاجة يطمعوا فيها، المهم أنا مش عايزة حضرتك تشغل تفكيرك بيا وتهتم بصحتك، وأنا لما أستقر هتصل بيك واطمنك عليا أول بأول، المهم أنك تفضل راضي عني وداعي لي.
...
وهكذا تم لنِعَم ما أرادت وسافرت إلى الإسكندرية بعدما هاتفت صديقتها هناك وطلبت منها تأمين مسكن مؤقت لها، وما أن حطت نِعَم رحالها على أرض الإسكندرية تفاجأت بصديقتها وزوجها يستقبلاها، فحدقت بوجه صديقتها بحرج وأردفت بصوت خاڤت:
.._ بردوا نفذتِ اللي في دماغك وجيتي وجايبة معاكِ جوزك.
ابتسمت نادين قائلة:
.._ يا بنتي ما أنتِ عارفة إن سليم شغال فشركة عقارات، ولما طلبت منه يشوف لك شقة قال لي خلاص خلينا نروح نستقبلها وِنعزمها على الغدا وبالمرة يسمع منك مواصفات الشقة علشان لما يكلم السمسار اللي بيتعامل معاه يجب لك المناسب من أول مرة.
أومأت نِعَم وصافحت سليم بحرج وَرافقتهم، ولم يمض الكثير من الوقت إلا وكانوا مُلتفين حول إحدى الطاولات بأحد المطاعم المطلة على البحر، وفور جلوسهم استأذنت نادين للذهاب إلى المرحاض، بينما شردت نِعَم كليًا ما أن وقع بصر نِعَم على لون الماء الأزرق بذكرى رحلتها الأولى إلى الإسكندرية برفقة يزيد، والتي حرص على جعلها رحلة لا تنسى فأخذها إلى العديد من الأماكن المميزة بالمدينة، وأكثر ما كان يُسعدها جلوسها فوق الرمال ومتابعة غروب الشمس، ولم تدر نِعَم أنها لفتت نظر سليم بوجهها الهادئ الشارد فمن زاوية جلوسه أنصب الضوء على ملامحها فأبرز نقاط الجمال فيها بوجنتها المرتفعة بشفتيها المكتنزة وبشرتها الخمرية اللامعة دون أي مساحيق تجميل، لينتبه إلى اتجاه أفكاره فزجر نفسه وأشاح وجهه عنها وأشار إلى أحد العاملين في اللحظة نفسها التي عادت فيها زوجته فابتسم لها بحرج وأردف:
.._ جيتي فوقتك يلا شوفي تحبي تاكلي إيه واسألي صاحبتك على ما أكلم السمسار وأقوله يقابلنا بكرة على الساعة واحدة.
ربتت نادين كتف صديقتها وابتسمت لها قائلة:
.._ إيه روحتي بتفكيرك لحد فين؟
تنهدت نِعَم وأجابت ببعض الحزن:
.._ روحت لرحلة شهر العسل اللي قضتها هنا واللي وقتها كنت فقمة طيبتي ودفعت مصاريف الرحلة من جيبي وفالأخر قابلنا زميل يزيد وطلع شريك فِالفندق اللي كنا قاعدين فيه وحلف إننا نسترد المبلغ اللي دفعناه.
ضيقت نادين ما بين حاجبيها وهي تسألها بعفوية:
.._ ويا ترى أخدتِ الفلوس منه ولـ.
بترت نادين كلمتها حين قرأت الإجابة بعين صديقتها فمالت نحوها وهمست:
.._ فالحة يعني دفعتِي وهو اللي أخد الفلوس دا أنتِ كنتِ بدياها بسذاجة مش طيبة عمومًا أنا قررت أقعدك معايا أسبوعين تلاته أديكِ دروس فالحياة وبعدين أطلق صراحك بدل ما أسيبك بالحالة اللي أنتِ فيها دي وحد يضحك عليكِ.
ألقت نادين قولها بمزاح والتفتت إلى زوجها الذي انضم إليهم بعد انهائه الاتصال، وقالت:
.._ مش أنت موافق على قراري يا سليم؟
أومأ دون سماع ما لديها فحدقت به نِعَم بعيون مُتسعة وأردفت بتلقائية:
.._ طيب ما تعرف الأول إيه هو قرار الاستاذة نادين قبل ما توافق كده وخلاص.
هز سليم رأسه بالنفي وأردف:
.._ وأعرف القرار ليه طالما حبيبتي هتبقى سعيدة بيه وبعدين يا أستاذة نِعَم أنا متفق مع نادين إن أي حاجة تخص البيت تبقى من اختصاصها ماعدا الظروف الضرورية أو المړض بتلاقي إيدي فإيدها وكتفي قبل كتفها علشان تتسند عليه.
أحرجتها كلماته فخفضت رأسها ودستها بقائمة الطعام، بينما وَكزت نادين ساعد زوجها وهمست:
.._ عجبك كده أهي اتحرجت وزمانها دلوقتي بتفكر في عذر علشان متجيش معايا.
مد سليم يده ولمس وجنتها وأردف:
.._ متقلقيش هي كده كده هتروح معاكِ علشان أنا هرجع الشركة في اجتماع مهم هخلصه وأطلع على الحجة أقضي الليل معاها والصبح هتلاقيني عندك علشان ميعاد السمسار.
وبعد انتهاء جلستهم عادت نِعَم برفقة نادين إلى منزلها بعد إصرار الأخيرة واعتذار سليم لإحراجه إياها.
وها هي بعد مرور ثلاث ساعات حاولت خلالها إغماض عينيها فشلت نِعَم فشلًا ذريعًا في النوم فتركت فراشها وغادرت الغرفة وتسللت إلى الشرفة وجلست تحدق بالسماء التي بدت معتمة مع غياب القمر، لتذرف عينيها أولى دمعات الخذلان لتتوالى دفقات دموعها وَنحيبها الذي أوقظ نادين فبحثت عن مصدر الصوت حتى عثرت على صديقتها تجلس أرضًا ورأسها يرتكز إلى الحائط فجلست إلى جوارها وجذبت رأسها لتستند إلى كتفها وأردفت:
.._ عيطي يا نِعَم وخرجي كل اللي جواكِ من غير ما تتكسفي ولا تفكري فأي حاجة، عيطي علشان قلبك تهدى ناره ووجعك يخف ضغطه عنك.
أجهشت نِعَم في البكاء وكأن ما سكبته من دموع خلال الأيام الماضية لم يك شيء، بكت تلك الليالي التي سهرتها بجوار زوجها ترعاه بمرضه، وذرفت الدموع على الأيام التي قضتها بمفردها تُفكر بأمره وتنتظر عودته من سفرياته لتوفر له الراحة بعد طول عناء وتخفف عنه توتر أعصابه، بكت اهماله ومحاولاتها الدؤوب لِشحذ قواها وَالتحمل وَرأب أي صدع يظهر ويلون حياتهم بمشاكل الحياة ووصل الأمر بها إلى إيجاد الأعذار له وَاختلاق المبررات لِتمضي بهما الحياة، والآن أين هي بعد كل تضحية ونكران ذات قامت به من أجله بصدرٍ رحب؟ ماذا كان الجزاء في النهاية على سعيها لتوفير حياة زوجية سعيدة هانئة لزوجها؟ كانت النهاية خېانة وخذلان لا يد لها بها ونبذ اختارته لتهرب من رؤيتها لهما معًا، نعم هي هربت بأثقالها رحمة بقلبها الذي ما زال حب يزيد يسكنه.
شهقت نِعَم حين سلط عقلها الضوء على تلك النقطة وابتعدت عن كتف صديقتها ونظرت إليها پصدمة وهزت رأسها قائلة:
.._ مستحيل أكون بعيط علشان لسه بحبه قوليلي إني اللي حاسة مش حقيقي يا نادين وأني بطلت أحبه، أرجوكِ يا نادين أنا مش عايزة أحبه تاني وعايزة أنساه، لأ أنا عايزة أرميه برا حياتي ومفكرش فيه و.
أوقفت نِعَم توسلاتها وانتظرت إجابة صديقتها لِتتنهد نادين قائلة:
.._ محدش يملك يقولك إن كنتِ لسه بتحبيه أو لأ غير قلبك يا نِعَم، وعلى فكرة اللي أنتِ حاسة بيه دا شيء طبيعي جدًا، دي أعراض ما بعد الصدمة ومع مرور الوقت هَتخف حدة المشاعر الثايرة جواكِ، وهيبدأ تفكيرك فيه يقل لحد ما تلاقي نفسك فيوم بتحاولي تفتكري هو كان عامل أزاي، وبعدها هتنسيه ومش هتحسي ناحيته لا بحب ولا بكره، دي سنة الحياة يا نِعَم كل حاجة بتبدأ كبيرة وبعدين تصغر خصوصًا فالحزن والۏجع.
اوقفت نادين اِسترسالها ومدت يدها وكفكفت دموع صديقتها ووقفت ومدت يدها إليها لِترمي نِعَم بجسدها نحو صديقتها تستند إليها ووقفت تحدق بها بعرفان جميل وأردفت:
.._ أنا مش عارفة من غيرك كنت هبقى عاملة أزاي يا نادين؟
ابتسمت نادين وأجابتها:
.._ كنتِ بردوا هتعيطي بس مكنتيش هتلاقي كتفي الحنين تبكي عليه، المهم سيبك من انتكاسة الصدمة دي وقوليلي ناوية تشتغلي فين؟
مطت نِعَم شفتيها ورفعت كفيها أما صدرها قائلة:
.._ علمي علمك يا نادين بصراحة أنا مش عارفة أحدد المجال اللي عايزة أشتغل فيه، ولو فكرت في اللي بعرف أَعمله فأنا بَفهم كويس فِالحسابات.
أومأت نادين وابتعدت عن مكان نِعم وأردفت:
.._ لو على الحسابات فهي كده محلولة، سليم ممكن يساعدك ويجيب لك شغل فالشركة معاه، على ما أتذكر أنه كان قال إن في واحد من المحاسبين ساب الشركة، بصي أنا هكلم سليم وهطلب منه يسأل إن في أمكانية تشتغلي فالشركة معاه ولا لأ؟
عادت نادين إلى غرفتها وَالتقطت هاتفها وهاتفت زوجها وأخبرته بحاجة نِعَم إلى العمل، فلزم الصمت لثوان لِيجيبها بقوله:
.._ تمام يا نادين أنا هكلم المدير ولو كده ممكن تيجي شهر تحت الاختبار وبعدها تتعين، ها قوليلي جوزك حبيبك يستحق إيه على كل حاجة بيعملها علشانك.
ابتسمت نادين وأجابته بصوت خاڤت:
.._ هبقى أعملك حفلة من بتوع زمان بس لما الدكتورة تقول لي إن كل حاجة تمام اتفقنا.
زفر سليم وَامتعضت ملامحه وأعرب لها عن استيائه بقوله:
.._ بصراحة أنا لحد دلوقتي مش فاهم الدكتورة اللي أنتِ متابعة معاها ليه حطانِي فِدماغها وكل يوم والتاني تقولك خليه بعيد.
حاولت نادين تخفيف الأمر عليه ولكنه سارع بقوله لينهي الاتصال:
.._ معلش يا حبيبتي أنا مضطر اقفل علشان الاجتماع.
استدار سليم بوجه عابس فعقب على ملامحه زميله راجي قائلًا:
.._ مالك قلبت كده ليه مرة واحدة؟
زفر سليم بحنق ورماها بنظرة سوداوية مُردفًا:
.._ خليك فحالك يا راجي علشان أنا لما بتكلم بِتطلعني كل مرة غلطان، فَهوفر على نفسي المشادة واسكت، المهم أنا عايز منك خدمة وعلشان متقولش أني بتاع مصلحتي الخدمة لنادين في واحدة صاحبتها خريجة تجارة وعايزة تشغلها فِالشركة هنا فقسم المحاسبة عندك ممكن تتولى الموضوع ولا أروح أقولها راجي طنش.
رفع راجي كفيه لأعلى وسارع بقوله:
.._ وهو أنا طنشت ولا اعترضت ولا أنت بِتلكك وعايز تصدرنِي مع مراتك وتقوم تحرمنا من نفحاتها، عمومًا يا سيدي خلي صاحبة المدام تيجي ومعاها أوراقها وهي وشطارتها وأنت عارف محسن الورداني اللي يهمه فاللي بيشتغل إنه يكون على قد المسئولية تمام.
ابتسم سليم وجلس إلى مكتبه شاردًا فتعجب راجي منه فوكزه قائلًا:
.._ قوم خلينا نلحق الاجتماع ونكلم محسن ولا أنت ناوي تبات فِالشركة هنا؟
...
ومضت الأيام بوتيرة بطيئة انخرطت نِعَم بدوامة عملها الجديد، وانتقلت إلى مسكن خاص بها والذي صادف أن يكون في نفس بناية نادين، فهي تفاجأت بصديقتها تخبرها بغبطة بأن إحدى شقق البناية تم إنهاء عقدها وشجعتها على استئجارها.
بينما في القاهرة كانت حياة روميساء تشع كل يوم سعادة عن سابقه حتى ظنت أنها نالت سعادتها كاملة، ولم تدرك في خضم ما أغدقه عليه يزيد من حب واهتمام أنه نزعها شيئًا فشيء بعيدًا عن والدها وعَمد إلى ازدياد نفورها من شقيقها بما نفثه وسط لهيب حبه حتى باتت روميساء دُمية طيعة يحركها يزيد وفق ما يشاء.
في حين رفضت دليلة تلبية مطلب والدتها وابتعدت بحياتها عن حياة صديقتها ورأت أنها بذلك تُصلح ما أفسدته سابقًا بعدم تدخلها في حياة صديقتها مجددًا.
وعلى العكس بدأ وائل أولى خطواته في البحث عن أي ثغرة ينفذ من خلالها إلى حياة يزيد ليكشف ستره بعدما رأى محاولته الاستحواذ على حياة شقيقته، وهو الأمر الذي غفل عنه حين تقدم لطلب يد نِعَم، فوقت ذاك أبت كرامته عليه أن يتعرف إليه بعدما رفضت نِعَم الارتباط به، ليُدرك خطأه وها هو بعدما تعمق بالنبش في ماضي يزيد وضع القدر بطريقه أحد الأشخاص ليطلعه على أحد ذنوب يزيد التي لا تغتفر، ففي بداية حياته المهنية قام بالزج بأحد أصدقائه إلى السچن بعدما اقرضه مبلغ كبير من المال وتنصل عن سداده، ليتحمل صديقه مسؤولية القرض الذي عجز عن سداده قيمته فتم الحكم عليه بالسجن سبع سنوات انهت حياته المهنية وبات منبوذًا فيزيد لم يكتف بسلب المال وإنما شاع بين الجميع إنه ضحېة صديقه وأنه برئ تمامًا من الاتهام، حينها حاول وائل لفت نظر شقيقته ولكنها أبت الاستماع إليه واتهمته بمحاولة تشويه سمعة زوجها نظرًا لزواجها رُغمًا عنه وغيرته منه، فلم يجد وائل أمامه حلًا غير التحدث إلى والده الذي اعتزل الجميه واعتكف ناشدًا التكفير عن تقصيره بتربية أبنائه، وما أن أخبره وائل حتى انتفض معتز وهرع إلى محاميه الخاص وطلب منه تغيير وصيته وسحب ما نقل ملكيته إلى ابنته دون أن يخبرها أي شيء.
ليقف وائل أمام والده مزهوًا بما حققه ليصفعه معتز بقوله:
.._ متفرحش يا وائل علشان أنا زي ما سحبت اللي كتبته لأختك بالتوكيل اللي كانت عملاه ليا واللي ربنا عمى عين يزيد عنه، سحبت اللي كتبته باسمك أنت كمان بردوا بالتوكيل اللي كنت عمله ليا علشان أتابع الشغل بالنيابة عنك، ولعلمك أنا مكتفتش بكده لأ أنا أتنازلت عن كل حاجة املكها باسم نِعَم بنت أخويا.
اتسعت عينا وائل وأحتقن وجهه غضبًا لما فعله والده فصړخ به قائلًا:
.._ أنت أزاي تعمل حاجة زي كده، أزاي تاخد فلوسي وتديها لنِعَم، مش كفاية طول عمرك معيشها بينا وبتصرف عليها من فلوسنا، بص يا بابا أنت تتصرف وترجع اللي أتنازلت عنه بالذوق بدل ما تجبرني أرجعه بالڠصب ودا آخر كلام عندي.
وقف معتز يتابع ثورة ابنه وسخطه عليه بوجه مبتسم وحين ترك نحو غرفته أوقفه وائل قائلًا:
.._ استنى عندك أنت لازم تكلم نِعَم وتقول لها ترد اللي أتنازلت لها عنه وإلا.
رمقه معتز باستفهام هادئ لثوان اعتدل بعدها بوقفته قائلًا:
.._ وإلا إيه يا أستاذ وائل أهو أنا عايز أعرف إيه اللي هتعمله علشان ترجع الفلوس؟ بس أسمح لي قبل أي حاجة أسألك أنت ليه مغضبتش كده وثورت لما حرمت أختك من فلوسها بالعكس أنت كنت فرحان، إيه هو الحق عندك بيقف لحد مصلحتك وبس، علشان كده جيت وبلغتني باللي عمله يزيد فصاحبه زمان علشان تضمن إنه ميطولش ولا مليم من الفلوس؟
كشفه والده وعراه تمامًا ووضع حقيقته المخزية ڼصب عينه مما زاد من هياجه وغضبه فصاح متناسيًا أنه يقف أمام والده يقول:
.._ أنا قلت لك اللي عندي؛ أنت لو مرجعتش اللي كتبته لنِعَم فَ متلومش إلا نفسك علشان ساعتها مش هتراجع وهرفع عليك قضية حجر وهثبت إنك كبرت وخرفت بسبب اللي عملته بنتك واللي أثر على قواك العقلية وخلاك مش مدرك لتصرفاتـ.
بتر وائل قوله حين هوى كف معتز على وجهه بصڤعة قاسېة فحدق به الأخير پصدمة وأصابعه تتلمس موضع الصڤعة، لا يصدق إنه وبعدما بات رجلًا ېصفع كالأطفال ليصفعه معتز مُجددًا بقوله:
.._ الراجل اللي واقف تبجح فيه وتقول إنه كبر وخرف الظاهر إن كان معاه حق فاللي عمله عارف ليه؟ علشان مصطفى أخويا الله يرحمه كان غلطان لما كتب لي نص أملاكه وقت ما ربنا فتحها عليه وكان غلطان لما رفض إني أبقى شغال عنده أجير، وكان أكبر غلط لما اعتبر ماله وتعبه هو مالي واللي مكنش حد هيلومه أبدًا لو كان سابني أجير زي ما أنا، الراجل اللي واقف تقول إنه مش مدرك لتصرفاته لما أخوه تعب وحس إن أيامه فالدنيا معدودة طلب منه يراعي بنته اليتيمة ووصاه عليها وقاله يعوضها عن خسارتها لوالدتها اللي اتحرمت منها وملحقتش حتى تتعرف عليها لما ماټت بعد سنة من ولادتها.
أوقف معتز حديثه وتطلع نحو ابنه بأسف وهز رأسه بحزن لما أل إليه حال ابنه فأشاح بوجهه عنه واتجه نحو غرفته قائلًا:
.._ أنا مكنتش غلطان لما حرمت على نفسي مال بنت أخويا، ولو كنت صرفت قرش عليها فهو أقل من حقها، لإن عمري ما اعتبرت نفسي صاحب ملك ومال وكنت شايف وهفضل شايف لأخر يوم فعمري إن المال مالها وحقها وأني أجير وأخدت أكتر مما أستحق فبراحتك يا وائل لو عايز تروح ترفع عليا قضية حجر وتكشف ستر ربنا عن أختك وتفضحها علشان القاضي يحكم لك بالمال روح أنا مش همنعك ولا هطلب من المحامي أنه يدفع عني لأ أنا هسيبك تاخد اللي أنت عايزه وهبرأ ذمتي من الله وأشهده إني رديت الحق لأصحابه وإن كل واحد يتحمل ذنبه.
أغلق معتز باب غرفته وأغلق أمام وائل أي فرصة للحديث والمجادلة، بينما وقف الأخير يحدق بأثر والده بذهن شارد وعقل غاضب لا يدرك ماذا عليه ان يفعل ليسترد ماله من نِعَم.
5.._ أسفة أرفض الخېانة
اثبتت الأيام صحة قول نادين..
بأن كل مصاپ عظيم يهدأ وكل حزن دفين يخفت وكل ألم يداوى وتبقى ذكرى النقمة درسًا نستدل به لنحيا القادم من الحياة.
لم تصدق نِعَم ما أحرزته من نجاح في عملها خلال تلك المدة القصيرة، والذي كان مخالف تماما لما زرعه يزيد بداخلها أنها لا تستطيع فعل شيء وأن حياة الزوجة قائمة من أجل إسعاد زوجها والحياة في كنفه، حتى أنها وقفت ذات ليلة تسخر من تصديق عقلها لحديثه ولامت نفسها أنها طمست شخصيتها ودفنت حياتها لتحيا حياته هو والآن وبعدما شحذت قواها لتثبت لنفسها أولًا أنها تستطيع البدء من جديد وأن لا حدود لإرادتها وقدرتها على تحقيق ذاتها، أدركت أنها لم تخسر أي شيء بخسارتها ليزيد بل كسبت وفازت حين عثرت على نِعَم التي تاهت منها، فهي منذ تولت عملها كمحاسبة عملت على ابراز شخصها، وكسبت خلال فترة وجيزة احترام الجميع.
ولكن؛ دوما ما يظهر شيء ويعكر صفو الحياة بل ويثير زوابع الخۏف داخل النفس ويزكي ڼار الشكوك ويؤرق الفكر، وأكثر ما أرق فكر نِعَم وأذهب النوم عنها كان راجي بنظرته الغامضة التي يحدجها بها في كل وقت، والتي لم تدر أهي نظرة كراهية أم حقد كونها استحوذت على اهتمام الجميع سريعًا، فبات يحيل كل لحظة تجمعها به إلى چحيم بردوده الحادة وملاحظته الچارحة وتهميشه ما تنجزه، حتى بات الأمر تحديًا لها لتثبت له أنها جديرة بعملها وأنه مخطأ بقرارة نفسه بفكرته عنها.
ولم يك راجي الوحيد الذي يثير قلقها فاهتمام سليم الغريب مؤخرًا بها أثار مخاوفها، وتعمده التواصل معها في كل وقت بحجج وأعذار واهية زرع الشك داخلها، فانعكس الأمر عليها وباتت أكثر حدة في تعاملها معه بل ووصل بها الأمر لابتعادها المفاجئ عن صديقتها التي ظنت أن معرفة نِعَم بحملها هو السبب في ابتعادها كونها حُرمت من أمومتها.
وبمقر عملها جلست نِعَم وأمامها بضع ملفات طلب منها أحد المهندسين إنهاء مراجعتها لتقديمها في اجتماعه، بينما على مقربة منها جلس راجي ېختلس النظر إليها بين الحين والأخر بعدما تم نقلها إلى مكتبه كنوع من التكريم على مجهودها، ليعود إلى تحليل بيانات الملف الذي أخذ الكثير من وقته محاولًا ترك نِعَم خارج دائرة أفكاره، في حين تركت نِعَم القلم وتحسست جبهتها تتمنى ولو يذهب عنها ما تشعر به من ألم، فوقفت متناسية برود راجي معها ومعاملته الجافة معها وأردفت:
.._ هروح أجيب قهوة تجيب أجيب لك معايا.
أجابها دون النظر إليها باحتياجة إلى فنجان دون سكر فغادرت لتصطدم بسليم الذي ظهر أمامها فجأة، فعبست بوجهه وحاولت تجاوزه ولكنه اعترض مسارها مُردفًا:
.._ ممكن أفهم أنتِ ليه بعدتِ عن نادين وبطلتي تيجي تقعدي معاها زي الأول، على فكرة نادين محلفاني متكلمش معاكِ بس بصراحة لما أسمعها بتكلم نفسها إنك وحشاها وإنها خاېفة ليكون حملها ضايقك، يبقى من الواجب عليا أني أجيلك وألفت نظرك وأطلب منك إنك حتى لو مضايقة من حملها تحاولي تخبي زعلك وترجعي تزوريها وتقعدي معاها، ولا أنت مش ملاحظة إن وجودك فرق معاها كتير من يوم ما جيتي إسكندرية.
زفرت نِعَم وأطرقت برأسها لتتهرب من النظر إليه وأردفت:
.._ على فكرة ظنونك كلها غلط أنا لا بعدت عن نادين ولا زعلانة إنها حامل، أنا كل ما في الموضوع أني برجع من الشغل مجهدة، عمومًا أنا هعدي عليها النهارده وهتكلم معاها لإني محبش أنها تاخد عني فكرة غلط.
همت نِعَم تجاوزه ولكنه عاد وأوقفها بقوله:
.._ اتمنى مترجعيش فكلامك وتيجي يا نِعَم علشان خاطر نادين.
تراجعت نِعَم حين أستشعرت قربه منها في اللحظة نفسها التي اقترب منهم راجي ورمقها بنظرة سوداء وأشاح بوجهه عنها وأردف:
.._ ما تيجي تقعد معايا يا سليم بدل وقفتك كده.
أجابه سليم بضيق:
.._ مرة تانية يا راجي أنا كنت جاي أبلغ نِعَم رسالة وراجع مكتبي تاني، يلا أشوفك فالاجتماع بعد ساعة سلام.
غادر سليم بينما وقف راجي يراقب ملامح نِعَم لثوان وحين لاحظ شرودها أردف:
.._ فين القهوة يا مدام نِعَم ولا خلاص معدش في حجة إنك تسيبي المكتب وتخرجي.
عقدت نعم ما بين حاجبيها وهمت بزجره ولكنه لم يمهلها الفرصة وتركها وعاد إلى مكتبه فتبعت خطوات بحدة وأردفت بضيق:
.._ على فكرة أنا مش مضطرة أتحمل قلة ذوقك دي كتير، وحقيقي لو فضلت تتعامل معايا بطريقتك المستفزة دي فأنا هبلغ مستر محسن و.
قاطعها راجي ساخرًا:
.._ وتطلبي نقلك لقسم الاستشارات العقارية مش كده يا مدام.
ازداد عبوس نِعَم وأطالت النظر إلى وجه راجي الغامض لتقترب من مكتبه قائلة:
.._ ممكن أفهم أنت تقصد إيه بكلامك دا؟
ابتسم راجي ساخرًا وعقد ذراعيه أمام صدره وأردف:
.._ قصدي أنا ولا قصدك أنتِ يا مدام، بقولك إيه يا مدام نِعَم ما تيجي نتكلم على المكشوف وتقوليلي أنتِ عايزة إيه بالظبط من سليم؟ إيه تكونيش ناوية تلهفيه من صاحبتك زي بنت عمك ما أخدت منك جوزك.
بوغتت نِعَم بهجوم راجي فاستدارت لتغادر ولكنه سبقها بخطوة وأغلق باب المكتب بوجهها مانعًا إياها من الرحيل وهاجمها بقوله:
.._ كلامي جه على الوجيعة ولمس اللي كنتِ ناوية تعمليه فصاحبتك مش كده، على فكرة أنا من أول يوم شوفتك فيه وأنا عارف غرضك دا كويس.
لسعت الدموع عينا نِعَم ولكنها تجاهلتها وسألته بتهكم:
.._ ويا ترى غرضي إيه اللي سيادتك أكتشفته من أول يوم شوفتني فيه يا عبقري زمانك؟
تجاهل راجي تهكمها وأجابها:
.._ على الرغم من إنك بتتريقي بس أنا هخليني أحسن منك وهعتبر نفسي بعمل عمل خير لصالح الراجل اللي أكلت فبيته عيش وملح، واللي مراته متستحقش أبدًا أنك تغدري بيها وتسرقي منها جوزها.
تحاملت نِعَم على ما تشعر به من ألم وحاولت الوقوف بثبات أمامه بينما أنهال راجي على سمعها يقول:
.._ أنتِ فالأول استغليتي حالتك وظروف طلاقك علشان تغيري حياتك على حساب حياة صحبتك، واللي لو كنتِ تعبتي نفسك شوية وسألتيها عنها كانت قالت لك إنها تعبت هي وسليم علشان يوفروا فلوس عملية الحقن المجهري اللي عملتها نادين قبل ما سيادتك تظهري بكام أسبوع، وبعدها لفيتي على صاحبتك وخلتيها تطلب من سليم يشغلك معاه فالشركة، وعلشان تكملي دورك روحتي سكنتي فنفس العمارة معاهم وحاصرتي سليم من كل جنب واستغليتي ظروف تعب مراته علشان تشغليه وتخليه يفكر فيكِ.
هزت نِعَم رأسها بالنفي لإلباسه الحق ثوب الباطل وأردفت بدفاع واه عن نفسها تقول:
.._ أنت أزاي قدرت تعكس الحقيقة وتخليها بالصورة البشعة دي، على فكرة أنت كل كلامك غلط و.
أوقفها راجي بصوت جليدي ومنعها عن إضافة المزيد بقوله:
.._ لو أنا بعكس الحقيقة تقدري تقوليلي أزاي واحدة عندها كل الثروة اللي عندك وتروح تدور على شقة قانون جديد وشغل فشركة مرتبه يعتبر ملاليم قصاد رصيدها فالبنك.
بهتت ملامحها فراجي شوهه الحقيقة تمامًا وأمام صمتها صاح بها قائلًا:
.._ ما تجاوبيني يا مدام نِعَم إيه الحاجة اللي تخلي واحدة مليونيرة تيجي تشتغل فشركة وتمد إيدها كل أخر شهر علشان تاخد ألف ولا اتنين إلا لو كانت مخبية جواها نية تانية؛ نية بانت من أول ما سمحتِ لنفسك تسهري تتكلمي مع سليم والعذر مراجعة ملف من السهل إنه يتراجع فالشركة، نية بانت لما كل يوم والتاني تيجي وتروحي معاه وكأنه من محارمك بحجة أنه بيوصلك لإنك ساكنة معاه فنفس العمارة.
تراجعت نِعَم عنه واڼهارت فوق مقعد مكتبها تبكي، فبعد تحليل راجي للأمر من وجهة نظره أدركت نِعَم إنها أخطأت مُجددًا، حين تساهلت في حدود الله وسمحت لنفسها بالحديث إلى سليم والتعامل معه بصورة أثارت حولها الشبهات، وكما ظن راجي بها وأساء من المؤكد أن هناك غيره يظنونها تسعى لسړقة سليم وربما أكثر، فهمست بصوت معذب تقول:
.._ يعلم ربنا أني بريئة من ظنونك اللي ملهاش أي أساس من الصحة وإنك ظالمني يا أستاذ راجي، بس أنا بشكرك لإنك فتحت عيني على غلطي صحيح طريقتك كانت قاسېة وصعبة لكن أنت معاك حق لإن كل الشواهد ضدي.
بوغت راجي لحديثها وأحس بقشعريرة باردة تسري بجسده، فخفض رأسه في اللحظة نفسها التي هاجمه عقله بإعادته كل كلمة ألقاها بوجه نِعَم، فابتعد عنها وأخذ يستغفر وارتفع صوت استغفاره ندمًا لانسياقه خلف سوء ظننه ووساوس شيطانه دون أن يتحرى الصدق، ولم يدر راجي ماذا عليه أن يفعل ليرد لنِعَم حقها الذي سلبها إياه دون وجه حق، فعاد ووقف أمام مكتبها قائلًا:
.._ أنا مش عارف أزاي قلت الكلام دا حقيقي مش عارف، ولا حتى عارف بأي عين هطلب منك أنك تسامحيني، بس أنا معذور لإن للأسف كل الشواهد ضدك وخصوصًا إن كان في أقاويل دايرة عنكم و.
وقفت نِعَم أمامه بشموخ، فبتر راجي قوله خجلًا من نظراتها إليه لتزيده حرجًا بقولها:
.._ أنا بشكرك مرة تانية يا أستاذ راجي ولو سمحت تأذن لي أمشي.
لم تنتظر نِعَم موافقته والتقطت حقيبتها وغادرت الشركة برمتها وعادت إلى مسكنها، بينما غادر راجي المكتب واتجه صوب مكتب صديقه فمن واجبه أن يلفت نظره قبل أن يسقط.
تعجب سليم حين ولج راجي وأغلق باب المكتب خلفه فاعتدل بجلسته ورمقه بتساؤل، ليثير راجي حيرته أكثر حين جلس أمامه وأطال النظر إليه لدقائق، فزفر سليم وحاول أن يعود لمتابعة عمله ليوقفه راجي بقوله:
.._ أنا عايز أفهم أنت هي إيه الحكاية بالظبط يا سليم؟ هو أنت هتفضل عامل نفسك مش سامع كلام الزملا عنك وعن نِعَم لحد ما واحد فيهم يروح يبلغ مراتك، ولا أنت الموضوع جاي على هواك وجواك حاجة عايز توصل لها؟
عقد سليم ما بين حاجبيه وسأله بحنق:
.._ كلام إيه وحكاية إيه ما توضح قصدك يا راجي من غير لف ودوران؟
تبدلت ملامح راجي إلى العبوس وأجابه بلهجة حادة:
.._ طالما عايزنا نتكلم من غير لف ولا دوران يبقى خليك صريح معايا وعرفني أنت عايز إيه من نِعَم؟ وليه مهتم بيها وبتجيبها معاك كل يوم، لأ دا أنت كمان ساعات بتروحها وترجع تكمل شغلك، فرسيني على اللي جواك علشان أنا حقيقي خاېف عليك يا صاحبي؟
تيبس وجه سليم مُتذمرًا فرفع راجي حاجبه بعتاب صريح ليزم سليم شفتيه ويترك مكانه والتف حول مكتبه وجلس بالمقعد المقابل لصديقه قائلًا:
.._ بحبها يا راجي وقبل ما تتسرع وتحكم عليها وعليا وتتهمني بالخېانة، أقسم لك بالله إن نِعَم متعرفش أي حاجة عن مشاعري ناحيتها.
هز راجي رأسه بأسف مُردفًا بما أثار ربكة سليم:
.._ طب ونادين يا سليم؟ نادين مراتك اللي أتحملت أيام الفقر والشقى وأجلت الخلفة بسببك لحد ما كانت هتتحرم منها وكل دا علشان أنت تقف على رجليك وتظبط أمورك، نادين اللي عاشت معاك فالأوضة اللي عمك أدهالك فوق السطوح وكانت شيفاها قصر وعمرها ما اشتكت، إيه خلاص نسيت كفاحها معاك لما عيشتك ارتاحت وقلت تشوف لك واحدة تانية و.
أوقفه سليم معترضًا على اتهامه قائلًا:
.._ بلاش تظلمني يا راجي أنا مقولتش أني بطلت أحب نادين ولا فنيتي أظلمها بس أنا حقيقي مش عارف أبطل تفكير فِنِعَم وڠصب عني لقيت قلبي بيدق لها و.
بادره راجي بسؤاله:
.._ وإيه يا سليم وإيه؟ أوعى تكون ناوي تتجوزها على مراتك اللي كلها شهرين وتولد.
بهتت ملامح سليم ووقف حائرًا ليقف راجي ويربت كتفه مستطردًا:
.._ يا سليم فوق لنفسك وبيتك وأفهم أنك مبتحبش نِعَم وكل ما في الموضوع إنك مبهور بالشخصية اللي ظهرت جديد فحياتك واللي فيها صفات مش موجودة فمراتك، صدقني أنت عجبك استقلال نِعَم وقوة شخصيتها اللي فرضتها على الكل من أول يوم، عجبتك الست الجميلة القوية اللي بتعرف تتعامل مع الأزمات واللي محدش يقدر يمسها بكلمة لأنها بتوقفه عند حده، بس يا ترى أنت سألت نفسك هي بقت كده أزاي؟ وإيه اللي وصل واحدة يا دوب داخلة التلاتين تبقى كده؟
ازدرد سليم لعابه ونظر إلى راجي بحيرة فأومأ الأخير مُضيفًا:
.._ سليم أنت لازم تفوق قبل ما تنجرف وتهد بيتك، وحط فاعتبارك إن نِعَم لما أتغدر بيها كان عندها اللي يقف جانبها حتى لو اختارت تبعد عن أهلها، إنما نادين لو عرفت أنك بتحب صاحبتها وعينك منها مش هتتحمل وهتضيع لإنك أنت كل اللي ليها.
خفض سليم رأسه بحزن ليزفر راجي ويقول مُربتًا كتفه:
.._ أنا أسف يا سليم لو كنت بدخل فاللي ماليش فيه، بس العيش والملح اللي أكلتهم معاك ومع مراتك يخلوني لازم أجيلك وأكلمك، هي دي واجبات الصداقة يا سليم وإلا أبقى بني آدم خسيس، فياريت تراجع نفسك قبل ما تخسر مراتك وابنك.
تركه راجي بدوامة أفكاره وغادر بعقل يحاول إيجاد حلًا ليبعد نِعَم عن طريق صديقه قبل فوات الأوان.
بينما ارتمت نِعَم فوق أريكة غرفتها بقوى مستنفزة مُردفة پألم:
.._ وبعدين يا نِعَم هتعملي إيه لو ظنون راجي طلعت حقيقة، واهتمام سليم له جانب أنتِ غفلتي عنه، معقول هتسمحي لنفسك تغلطي فحق نادين غلط قاسې زي دا، لأ يا نِعَم أنتِ مش لازم تستني هنا أكتر من كده ولازم تمشي قبل ما الموضوع يتطور ويتسبب فخړاب حياة نادين، حتى لو كانت النتيجة أنك ترجعي تعيشي مع عمك تاني المهم أنك تحافظي على بيت صاحبتك إنه ميتهدش.
لم تدر نِعَم كيف مرت عليها تلك الأيام فعقلها عصفت به الأفكار بحثًا عن مخرج لِما واجهها به راجي، صحيح أنها تبدلت كليًا مع سليم ورفضت كل محاولاته لمرافقته إلى العمل، بل دأبت على زيارة صديقتها بعد اعتذارها لتقصيرها بحقها وزادت من اهتمامها بها حتى تبدل حال نادين وعادت مشرقة مجددًا ومقبلة على الحياة، والآن وبعدما استقر رأيها على الانتقال إلى مسكن آخر لتقطع على سليم أي فرصة تجمعهم لا تدر كيف ستصارح صديقتها بقرارها فهي أخبرتها أنها عوضتها حرمانها من الأهل وتتمنى لو تبقى معها ولا تفترق عنها أبدًا.
أنتشل نِعَم من دوامة أفكارها صوت رنين الباب فاتجهت بضيق وفتحته لتراه يقف أمامها بوجه مُتسائل حائر فغامت عيناها وعبست ملامحها وأردفت بجفاء:
.._ خير يا أستاذ سليم في حاجة نادين بخير طمنـ؟
هز سليم رأسه بالنفي قائلًا:
.._ نادين بخير أنا بس جيت أطمن عليك و.
قاطعته نِعَم برفضها سماع كلماته بقولها:
.._ وتيجي تطمن عليا ليه يا أستاذ سليم على فكرة مش معنى إن صاحبة مراتك أنك تفتكر أن و.
دفعها سليم فجأة إلى الداخل وولج مُغلقًا الباب بملامح مقطبة فوقفت نِعَم متسعة العين لا تصدق ما فعله فَـ همت بالعودة للباب لفتحه ليمنعها بقوله:
.._ ممكن تقعدي وتهدي علشان أنا مش هتحرك من هنا إلا لما تسمعيني.
ابتعدت نِعَم عنه وتحركت بجمود لِتضع حائلًا بينهما فابتسم لفعلتها الساذجة واحترم رغبتها بوضع مسافة بينهما وأردف:
.._ اقعدي يا نِعَم علشان تقدري تستوعبي اللي هقوله وتفهميه.
جلس سليم أمامها وراقب اهتزاز ساقها وتوترها الواضح على ملامحها فزفر قائلًا:
.._ نِعَم ممكن أعرف أنتِ ليه اتغيرتِ معايا وبقيتي تهربي مني ولا أنتِ مش ملاحظة إن ليكِ أكتر من أسبوع بتتعاملي معايا على غير عادتك و.
هبت نِعَم على قدميها وصاحت بعدما أدركت ما سيأتي لاحقًا:
.._ استاذ سليم أنا مافيش بيني وبينك أي حاجة علشان تقول أتغيرت معاك وبهرب منك والكلام الفاضي دا، فأرجوك بلاش تدي الموضوع أكبر من حجمه و.
وقف سليم هو الأخر وقاطعها:
.._ وإيه يا نِعَم؟
ازدردت نِعَم لعابها وحاولت التهرب منه فحاصرها سليم بنظراته وأضاف:
.._ بصي لي يا نِعَم وقوليلي ليه بتهربي مني، نِعَم أنا بـ.
صړخت نِعَم بجزع وهزت رأسها بالنفي قائلة:
.._ أرجوك متقولش أي حاجة ټندم عليها وبلاش تمشي ورا أوهام هيأها لك عقلك ممكن تخسرك بيتك ومراتك اللي بتحبك وملهاش غيرك وابنكم اللي جاي كمان شهرين بأمر الله، ويا ريت قبل ما تتمادي فظنونك تفتكر إن نادين ليها فضل كبير عليا بعد ربنا سبحانه وتعالى واللي مستحيل أقابل معروفها بالخسة والجحود ومستحيل أقابل حبها بالخېانة، ولو فاكر أني لما كنت بتكلم معاك وبروح وأجي إن دا اهتمام مني ليك تبقى غلطان، وكل الموضوع أني كنت فاكرة أني بتعامل مع أخ وزوج أخت بس الظاهر أني كنت غلطانة و.
هز سليم رأسه بالنفي بدوره وقاطعها مزلزلًا كيانها بقوله:
.._ دي لا أوهام ولا ظنون يا نِعَم واللي حاسس بيه ناحيتك حب و.
رفعت نِعَم يدها ووضعتها فوق شفتيها ورأسها يتأرجح يمينًا ويسارًا بهستريا لما تفوه به، وحين تقدم نحوها تراجعت قائلة:
.._ لأ اللي بتقوله مش حب أبدًا أنت محبتنيش ولا حبتني، أنا أنا لا يمكن أكون خاېنة مستحيل أخون صاحبتي مستحيل.
اوقفها سليم عن تراجعها ووضع كفيه فوق كتفيها ونظر إلى ملامحها المعذبة قائلًا:
.._ بلاش تنكري حقيقة واضحة يا نِعَم، وبعدين مين قال إن حبي ليكِ فيه خېانة لنادين، الخېانة لو كنا عملنا علاقة واغضبنا ربنا، وصدقيني أنا كنت مقرر أخبي حبي ولولا إني حسيت بهروبك مكنتش وقفت قصادك الوقفة دي وكنت هكتفي بحبي ليكِ من بعيد، لكن من الواضح إن القدر كاتب لنا حاجة تانية وإلا مكنتش اعترفت لك بمشاعري.
تخلصت من كفيه بعصبية رافضة سماع المزيد منه واتجهت لباب شقتها وفتحته قائلة:
.._ وأنا مستحيل أحبك ولا حتى أفكر فيك وهعتبر نفسي مسمعتش أي حاجة، ودلوقتي أتفضل مع السلامة وياريت تجنبي مقابلتك فأي مكان وتبعد عني احترامًا لمراتك وبيتك والأهم احترامًا لنفسك.
أطال سليم النظر إليها لبضع لحظات وغادر بعدما قرأ رفضها التام وهبط درجات السُلم بتمهل يُفكر بمشاعره التي رمتها نِعَم بوجهه وزفر قائلًا:
.._ مش هيأس طالما عرفتي بمشاعري يبقى معدش فيه مستحيل يا نِعَم.
وقفت نِعَم بجمود حين عادت كلمات راجي ترددت بأذنها فضيقت ما بين حاجبيها قائلة:
.._ لأ مش أنا اللي تاخد اللي مش ليها وسليم لازم يفهم إن مشاعره مجرد وهم، ولازم يفوق منه قبل ما كل حاجة تضيع ويندم.
في صباح اليوم التالي اتجهت نِعَم إلى عملها بوجه يابس وجلست خلف مكتبها ودفنت وجهها بتلك الملفات التي تكاثر عددها بين ليلة وضحاها، ولم تعر ولوج راجي أي اهتمام وعكفت على مراجعة الحسابات الموكلة إليها لتنتبه لرنين هاتفها بعد مرور بضع ساعات، فمدت يدها والتقطته وأجابت دون انتباه لمحدثها لتعتدل فجأة حين صافحها صوت وائل يقول:
.._ نِعَم أنا محتاج أشوفك ضروري.
سألته نِعَم بتخوف فقد تبادر إليها أن عمها تعرض لوعكة صحية أخرى، ليأتيها جواب وائل الصاډم:
.._ أنا وبابا اتخانقنا وسبت له البيت، المهم أديني عنوانك علشان أجيلك، وأنا لما أشوفك هحكي لك كل حاجة بالتفصيل.
أخبرته نِعَم بعنوان الشركة وأضافت:
.._ أنا هاخد إذن على ما توصل يا وائل سلام.
صفع ذكرها اسم رجل أخر أذن راجي فرفع رأسه عن أوراقه وحدق بها للحظات ليرى توترها جليًا فوق ملامحها فلم يستطع البقاء صامتًا فحمحم قائلًا:
.._ يا ترى في حاجة حصلت يعني أصلي شيفك متوترة فلو أقدر أساعد أنا فالخدمة.
هزت نِعَم رأسها بالنفي وأجابته دون النظر إليه:
.._ لأ مافيش حاجة، دا ابن عمي جاي يزورني من القاهرة.
تركته وغادرت فغمغم راجي بحنق:
.._ ابن عمك وجاي يزورك وهي كانت ناقصة ابن عمك هو كمان مش كفاية سليم وجنانه.
استقبلت نِعَم وائل أمام الشركة واصطحبته إلى المقهى الداخلي معتذرة عن عد تمكنها من المغادرة برفقته الآن وجلست أمامه وبادرته بسؤالها الحائر:
.._ ممكن أعرف إيه اللي حصل علشان تتخانق مع عمي وتسيب له البيت وأنت عارف إنه تعبان ومينفعش يقعد لوحده؟
حاول وائل أن يماطل ولكنها حشرت في الزاوية بأسئلتها، فرمقها بحدة وصاح بصوت خاڤت غاضب بعدما ضاق ذرعًا لمحاولتها أثارة ندمه وأسفه:
.._ عايزة تعرفي اتخانقت معاه ليه؟ اتخانقت معاه بسببك يا نِعَم.
بوغتت وأشارت إلى نفسها فأومأ وائل مُضيفًا:
.._ أيوة بسببك ومش كده وبس لأ دا أنا كمان هددته أني هرفع عليه قضية حجر.
تلفتت نِعَم حولها بحرج ليزيد وائل عليها الأمر سوء بقوله المتهكم:
.._ أظن فهمتي أنا جيت لك ليه؟ فياريت بدل ما نضيع وقت بعض على الفاضي خلينا نتكلم على المكشوف ونتفق.
للحظة ظنت نِعَم أنها لا تعرف ذلك الشخص الجالس أمامها فنظراته العدائية وكلماته وما يُريد فعله بوالده أكد ظنها، فلبثت على حالها لدقيقة فكرت خلالها بكلماته وحاولت فهم سبب مجيئه ولا على أي شيء سيتفق معها، لتتذكر اتصال محاميها الذي اعتذرت منه ولم تستمع لرسالته، فلعنت نسيانها الأمر ونظرت بعين وائل وأردفت:
.._ وماله يا وائل خلينا نتكلم على المكشوف ونتفق، ها سمعني طلباتك؟
زفر وائل بقوة وأجابها وهو يميل بوجهه نحوها:
.._ عايزك تتنازلي عن كل الفلوس اللي بابا اتنازل لك عنها من غير جدال أو حتى مساومة علشان أنا لو مأخدتش حقي بالكامل ههد المعبد على دماغ الكل.
ابعدت نِعَم وجهها عنه وعقدت ساعديها أمامها ورمقته باحتقار ما أن تبادر إلى ذهنها ما فعله مع والده فاحتدت ملامحها وقست وهي تخبره بصوت صارم:
.._ على الرغم من رفضي التام لأسلوبك فالكلام معايا وتهديدك ليا اللي من السهل عليا أقولك مع السلامة وملكش أي حاجة عندي، بس تمام يا وائل شوف أنت عايز كام وأنا هتصل بالمحامي وهبلغه يديلك اللي أنت عايزه، المهم إنك بعد ما تاخد الفلوس يا ريت متحاولش تضايق عمي مرة تانية وتخلي بالك منه وأظن كده نبقى اتفقنا زي ما أنت عايز.
بهتت ملامح وائل لوهلة فنِعَم لم تحاول مجادلته أو التأثير عليه لتُثنيه عما يريد، وكل ما فعلته هو الموافقة على طلبه دون مماطلة، حتى تسرب الشك إلى نفسه فلا يوجد على سطح الأرض من يوافق على التنازل عن تلك الثروة إلا إذا كان مصابًا بخطب ما، ولكن أمام نظراتها الثابتة التي لم تحد عنه سحبت نِعَم هاتفها ونفذت ما تفوهت به ليقف وائل أمامها يشعر بالضألة للمرة الأولى في حياته وغادر المكان متسائلًا أحقًا قابلها أم أنه يحلم؟
بينما ضړب راجي كفًا بأخر وود لو صفع نفسه ولكم ذلك الوائل فنِعَم أثبتت بأبسط ردود الفعل أن المال لا يعني لها أي شيء، وأمام حيرته التي أراد أن يضع لها حدًا تقدم من مكانها وجلس أمامها وسألها دون مواربة:
.._ هو أنتِ أزاي وافقتي تتنازلي عن كل الأصفار دي من غير ما يتهز فيكِ شعرة؟
كفكفت نِعَم دموعها التي فلتت منها وحاولت إخفاء انزعاجها لتطفله عليها لتتذكر تهكمه السابق منها فعقدت حاجبيها وأجابته بجمود:
.._ علشان عمر الفلوس ما هتعمل بني آدم صالح ولا هتدي له أي قيمة ولو اعتمد على قيمة الفلوس فهتبقى قيمة مؤقته وهتروح أول ما الفلوس هتروح، والأنسان مطالب إنه يأدب نفسه بالتخلي والحمد لله عمي علمني من زمان أزاي أأدب نفسي وأتخلى وأستغنى علشان كده الأصفار اللي اتنازلت عنها مفرقتش معايا.
لمعت عينا راجي أعجابًا واحترامًا لنِعَم فأومأ بحبور لا يدري مصدره وأردف:
.._ أسمحي لي أحييكِ على تصرفك على فكرة أنتِ للمرة التانية قدرتي تثبتي لي إن حكمي على الناس لازم يتغير، وإني علشان أكون رأي صحيح عن غيري لازم أقرب منه وأعرفه وأفهمه علشان مظلموش.
زمت نِعَم شفتيها استياءًا وعبرت عنه بقولها:
.._ وتحكم على غيرك من الأساس ليه يا أستاذ راجي وأنت مش مطالب غير بضبط نفسك وتصرفاتك وإصلاح عيوبك وبس؟ ولا حضرتك متعرفش إن ربنا موكلش غيره بأمر الحساب وإنه عز وجل هو اللي هيحاسب كل واحد فينا على قد عمله.
خفض راجي رأسه حرجًا وأقر بداخله أن نِعَم استطاعت إعادة هيكلة أفكاره كليًا بجدارة.
ولم يدر الثنائي المتنافر الأقطاب إنهما أثارا حفيظة سليم الذي نهشته الغيرة لوجودهما معًا، فاقترب منهما على عجالة وجلس فجأة قائلًا:
.._ ممكن أعرف أنتم سيبين المكتب وقاعدين هنا بتتكلموا فأيه؟
كبل الحرج نِعَم ورمقت سليم بضيق لعدم مراعاته مكانهم وتجاوزه حده الذي وضعته في التعامل معه، ليربكها بتعمده التحديق بها باتهام فأشاحت نِعَم بعينيها عنه ونظرت إلى راجي تسأله المساعدة بصمت ليباغتهم راجي بقوله الصاډم:
.._ يعني أنت لازم تظهر دلوقتي يا عم سليم وتضيع عليا المفاجأة اللي عملها لنِعَم يا أخي أنا كنت لسه هطلب إيد نِعَم للجواز؟
شهقت حين أكد راجي قوله ومد يده والتقط كفها ونظر لعينها قائلًا:
.._ ها يا نِعَم تقبلي تتجوزيني ولا ناوية تحكمي عليا بالعڈاب والوحدة وترفضي؟
هب سليم على قدميه غاضبًا فسقط مقعده بدوي تزامن مع صيحة استنكاره وقوله:
.._ أنت أتجننت يا راجي يعني إيه عايز تتجوز نِعَم؟
انضم راجي إلى سليم ووقف إلى جواره مُردفًا:
.._ وفيها إيه لما أعرض عليها الجواز على فكرة طلبي لا هو حرام ولا عيب، بالعكس أنا واحد أعجب بشخصية زميلته فالشغل وحب إنه يتعرف عليها أكتر فكان لازم اعجابه بيها يترجم لحاجة رسمية علشان يحافظ عليها.
صمت راجي لثوان ليصدمه كم العيون المتابعة بتركيز لما يدور فسارع بقوله مازحًا:
.._ أوعى يا سليم تعمل عليا حما وأخ كبير لنِعَم بما إنك متولي أمرها وتعاكسني وترفض يا أبو نسب، عمومًا أنا مش عايزك تقلق أنا هحافظ على نِعَم وهحطها فعنيا بس أنت وافق علشان أطير بقلب جامد على القاهرة أطلب إيدها من عمها رسمي.
للحظات توقف عقل نِعَم عن العمل وظنت أنها فقدت قواها العقلية فما يدور من حديث بين راجي وسليم من المؤكد أنه لا يخصها، بينما حمحم سليم بحرج حين لاحظ نظرات زملائهم المنصبة عليهم بانتظار سماعهم لأجابته ليقول بإيجاز:
.._ أكيد يا صاحبي وهو في حاجة فالدنيا ممكن تسعدني قد جوازك من نِعَم.
احتضن راجي سليم وربت ظهره قائلًا بصوت عالي:
.._ وهو دا عشمي فيك يا صاحبي.
ودت نِعَم لو يوقظها أحدهم من ثُباتها لتنتبه لنفسها داخل مكتبها برفقة راجي لا تدري كيف عادت فوقفت تنظر إليه بتساؤل ليمط الأخير شفتيه قائلًا:
.._ أنا نفسي عايز اللي يفهمني ويقول لي ليه قلت اللي قولته ولا حصل أزاي؟
رفعت نِعَم حاجبها بتحد ليرفع راجي كفيه أمام صدره ببراءة مصطنعة مُردفًا:
.._ تمام أنا بعترف أني قصدت أطلبك للجواز.
حافظت نِعَم على هدوئها وعيناها مستمرة في تحديها ليزفر راجي ويُضيف بجدية:
.._ أتجوزيني يا نِعَم علشان نقطع على سليم الطريق، ولا أنت مشوفتيش حالته كانت عاملة أزاي؟ دا كان فاضل له ثواني ويولع فينا من غيرته عليكِ.
أشار لها راجي بالجلوس مُستكملًا حديثه:
.._ بصي يا نِعَم أنا مش هخبي عليكِ أنا أتكلمت مع سليم علشان أعقله، بس واضح أنه مصمم يهد حياته مع نادين ومتشبث بوهم حبه ليكِ، علشان كده أنا عايزك تفكري جديًا بعرضي؟
أشادت نِعَم بخطوة راجي الماكرة التي أقصت سليم بعيدًا عن حياتها، ولكنها حشرتها معه بعرض زواج مرفوض، ولم تهمل نِعَم الفرصة تمر من بين يدها إلا وهي تخبره برفضها وعرفانها بجميله لأنقاذ حياة صديقتها الزوجية، ليأت قول راجي يثير حيرتها بتجديده طلبه للزواح منها فنظرت إليه بتمعن وقالت:
.._ مش شايف إن طلبك غريب وأنت من أول يوم ليا فالشركة هنا مش طايقني وواخد مني موقف لحد اللحظة مش فاهمة سببه.
ابتسم راجي بغموض وأشاح بوجهه قائلًا:
.._ خلي كل حاجة لوقتها يا نِعَم المهم أنا عايزك تفكري بعقلك قبل قلبك بجوزنا، ولو حابة أنا ممكن أفكر معاكِ وأقنعك جربيني أنتِ بس وشوفي راجي هيعمل إيه.
ابتسمت رُغمًا عنها وأحست برجفة تسري بقلبها رجفة ظنت أنها لن تشعر بها بعد جُرحها الأول، لتتلاش بسمتها فجأة حين تذكرت أمر يزيد وعقدت ما بين حاجبيها وهمست:
.._ معقول معدتش مهتمة بيه ولا بأي حاجة تخصه ومش فارق بالسرعة دي، إيه يا نِعَم دا أنتِ كنتِ فاكرة إن حياتك هتقف ومش هتتحرك بسببه.
.._ متفكريش كتير فاللي فات وخليكِ معايا أنا.
جفلت حين تسللت كلمات راجي إليها وابتعدت عنه بعين وجلة، ليومئ لها مُضيفًا:
.._ هو زي ما أنت فهمتي.
عقبت على قوله بضيق لاقتحامه أفكارها:
.._ مش شايف أنك بقيت جرئ زيادة عن اللزوم.
هز رأسه بالنفي فزفرت بسخط واتجهت صوب مكتبها وجلست بعدما سحبت أحد الملفات ودفنت رأسها بداخله ليتسلل إليها صوت ضحكة راجي وقوله:
.._ وهو اللي قلته دا جرأة ياه دا أنتِ على نياتك جدًا يا نِعَم.
6.._ خيوط المواجهة
تعمد أن يجعل محاميه يبلغه بأمر سحب كل ما تملكه من عقارات ومال منها، ووقف متواريًا يراقب رده فعله الغاضبة ووصل إلى إذنيه سيل السباب والألفاظ النابية التي تفوه بها، وقڈفها بوجه المحامي الذي بذل جهدًا خرقًا ليمنع نفسه من لكمه وتركه دون أن يضيف حرفًا وغادر، وطوال طريقه إلى منزله أخذ يزيد يكيل لنفسه التقريظ لشعوره بالخديعة، فمعتز سدد له طعنه في الصميم بحرمانه مما سعى إليه، فبعدما امتص ما استطاعه من نِعَم، وهم بسحب الوديعة التي جمع فيها والدها ثروته ووضعها بداخلها فصُدم بشروطها المحكمة لعدم فكها حينها رأى أن عليه البحث عن مصدر أخر لينال ما يصبو إليه، ولم يك هناك أفضل من تلك الفتاة الغرة المراهقة المفتقدة للحب والتي تابعها من كثب ليحل ألغازها جميعها وعلم كيف يتسلل إليها، لقد رمى طُعمه واصطبر طويلًا حتى اقتنصها وأحكم كفيه حولها ولم يعد لها أي مهرب منه، وبعد تأكده من امتلاكها لِما يساوي العشرة ملايين سعى ليكون الفارس المغوار لها وتحقق ما أراده وباتت زوجته ولكن أن يدخل إلى تلك الزيجة دون مكسب هو مالا يطيقه وعليه رد الصڤعة لها، بعدما أهدرت عليه فرصة التأثير على نِعَم التي كان من الممكن جعلها التنازل عما تملك بكل سهولة ويسر له.
أغلق يزيد باب مسكنه بدوي استغربته روميساء، لتهب فزعة عن فراشها حين ولج يزيد بوجه مكفهر ووقف يحدجها بنظرات ڼارية جعلتها تتساءل ماذا فعلت يحدق بها بتلك الطريقة التي أرهبتها، ازدردت روميساء لعابها وحاولت كسر تعويذة نظراته واقتربت منه محتضنة إياه، لتُفاجئ بدفعه لها بعيدًا عنه وزجره إياها وقوله:
.._ حضري لي الغدا علشان أنا راجع من الشغل تعبان وعايز أكل وأنام.
ارتبكت روميساء وخفضت عينيها قائلة بقلق:
.._ ما أنا أصلي من وقت ما صحيت وأنا حاسة بۏجع فضهري وبطني من تحت فخۏفت أقوم و.
صړخ يزيد باستنكار ليوقفها عن استرسالها:
.._ خوفتِ إيه يا هانم؟ خوفتِ تقومي تعملي لقمة لجوزك اللي طالع عينه فالشغل علشان يجيب فلوس تتبغددي بيها، والله عال يا ست روميساء قال خوفتِ قال، ما أنتِ واقفة زي الجن أهو ولا باين عليكِ تعب ولا ۏجع.
اضطربت ملامح روميساء وازدادت حيرتها بسبب هجومه الغريب عليها فعقبت باستياء قائلة:
.._ جرى إيه يا يزيد ما أنت عارف إن الحمل تعبني والدكتورة قايلة لي أريح لما أحس بأي ۏجع، وبعدين أنت عاملها شغلانة ليه ما تطلب أي حاجة وتاكلها وخلاص ما أنت متعود على كده إيه الجديد يعني؟
بدى وكأنه ينتظر تفوقها بتلك الكلمات ليصب يزيد جام غضبه عليها بقوله:
.._ إيه الجديد، الجديد يا هانم أني راجل متجوز ومفروض إن مراتي تشوف طلباتي إيه وتعملها على أكمل وجه، ومش كده وبس لأ دا أنا المفروض أجي من الشغل ألاقيكِ واقفة مستنياني وتقلعيني جزمتي وتحضري لي الحمام ولما أطلع منه ألاقي الأكل جاهز أومال أنا كنت بتجوزك ليه مش علشان تريحيني وتشوفي طلباتي ولا علشان تنامي وأخدمك أنا يا ست هانم.
زفرت روميساء بحزن وقالت بمحاولة منها لامتصاص غضبه وهي تعود لجواره:
.._ طب أهدى يا يزيد وأنا هروح أحضر لك أي حاجة تاكلها على ما تاخد لك شاور و.
صړخ بها وأبعدها عنه بقوله:
.._ تحضري لي أي حاجة بقى أنا يزيد منصور يتقال له على أخر الزمن أي حاجة تاكلها، بس تعرفي أنا اللي استاهل يتقال لي كده لما فكرت إنك هِتكملِي كل احتياج كان ناقصني مع نِعَم، نِعَم وهو أنتِ تيجي إيه جنبها دي نِعَم كانت بتفهمني من غير ما أتكلم من نظرة عيني تعمل اللي أنا عايزه وكانت بټحرق نفسها علشان بس أرضى عنها، مش أنتِ اللي نايمة لي على طول وبتحججي بتعب الحمل.
أثار غيرتها بذكره نِعَم فصړخت بوجهه قائلة:
.._ دلوقتي بقت نِعَم حلوة وعجباك وأنا مجيش فيها حاجة ولما هي كانت كده رميتها ليه وجريت ورايا، فهمني لما أنت بتفكر فِنِعَم دلوقتي كنت پتخونها ليه معـ.
بترت روميساء كلمتها الأخيرة ما أن وعت ما وصفت به نفسها ليُجهز عليها يزيد حين اتسعت ابتسامته الشامتة ليشعرها بالرخص، فأشاحت بوجهها عنه وأجهشت في البكاء، فغادر يزيد الغرفة وهو يكيل لها من الكلمات ما زادها نفورًا من نفسها بقوله:
.._ صحيح أنا كان عقلي فين وأنا بخونها معاكِ وأنتِ أساسًا لا فيكِ ريحة الأنوثة ولا الجمال، يلا أهو ابتلاء ولازم أتحمله من غير ما أعترض لإنك أكيد عقاپ ربنا ليا على اللي عملته فِنِعَم، نِعَم اللي كانت مخليه البيت جنة تسر العين والقلب مش مزبلة كل حاجة مرمية يمين وشمال والتراب بالأكوام فوق العفش، نِعَم اللي كانت ريحة أكلها تجيبني من الشغل على ملا وشي مش أنتِ اللي مضيعة مرتبي على الأكل الجاهز اللي مالوش طعم، نِعَم اللي كانت لما تحس إني مخڼوق بسبب الفلوس كانت توفر وتقول أنا أتصرفت، نِعَم دي الجوهرة اللي هفضل طول حياتي أندم أني خسرتها علشان حتة حديد مدهونة دهب قشرة.
حسنًا يكفي هي لن تبق بجواره لتسمع المزيد من إهاناته ولم تتحمل أن يقلل منها أكثر من ذلك، وأمام إيباء كرامتها أسرعت روميساء إلى خزانة ملابسها وأخذت تُلقي بما تطاله يدها داخل إحدى الحقائب وأغلقتها في اللحظة نفسها التي وقف فيها يزيد على أعتاب الغرفة ليسألها بفتور:
.._ إيه الهانم مبقتش تعبانة وقررت تريحيني من طلبات الدليفري وتديني بريك أشم نفسي من مصاريفها التافهة اللي مبتخلصش، بس تعرفي أنا دلوقتي عرفت ليه والدك وافق على جوازك مني تلاقيه قال لنفسه أخلص منها يا معتز ومن مصاريفها اللي لا ليها أول ولا أخر، وللأسف خلص هو علشان أشيل أنا.
لم تصدق روميساء أن ما تسمعه من إهانات يتفوه بها يزيد، يزيد الذي كان يسترضيها بالساعات ليراها، يزيد الذي باعت والدها من أجله وسلمته نفسها دون رابط طلبًا لحبه، أطرقت روميساء أرضًا بخزي فهي باعت شرفها من أجل لا شيء فبعد ثورته عليها وتقريظه لها لمجرد أنها لم تعد له الطعام أدركت أنه تعمد افتعال شجاره معها ليدفعها للرحيل فحدقت به مليًا وأردفت:
.._ هو أنا عملت إيه لكل دا يا يزيد؟ ممكن تفهمني إيه الچريمة اللي عملتها علشان توصل للحالة دي.
زفر بضيق وأستدار عنها قائلًا:
.._ مش مهم تعرفي عملتِ إيه، المهم إنك تاخدي نصيبك من العقاپ ما هو أنا مش هحاسب على الفاتورة كلها لوحدي ولازم تدفعي فيها معايا.
حدقت به لوهله لا تعي مغزى كلماته ليقترب منها يزيد ويقول:
.._ إيه مفهمتيش ولا خاېفة تفهمي؟
هزت رأسها بالنفي وهمت بإجابته ليوفقها رنين الباب فتطلعت نحو يزيد بتساؤل ليتحرك بضيق نحو الباب وما أن وقع بصره على وائل المستند إلى حافة الباب مُبتسمًا باستفزاز حتى أدرك أنه من أرسل إليه المحامي فغام وجهه وهم بإغلاق الباب ليمنعه وائل بوضعه قدمه قائلًا:
.._ مش عيب بردوا يا جوز اختي تقفل فوشي الباب هو دا بردوا الذوق؟
انتبهت روميساء لصوت شقيقها فأسرعت ودفعت بحقيبتها داخل غرفتها كي لا يراها واتجهت نحوه في اللحظة نفسها التي ولج فيها عنوة ووقف يتطلع إلى دموع شقيقه الجافة للحظات قبل أن يشيح ببصره عنها ويولي وجهه نحو يزيد، الذي وقف متحديًا إياه ليبادره وائل بقوله:
.._ واضح على ملامح روميساء إنك قمت بالواجب معها مش كده يا جوز اختي؟
زفر يزيد بحدة وكاد يصرفه ولكن تساؤل روميساء أوقفه بقولها:
.._ أنا مش فاهمة حاجة؟ ممكن تفهمني يا وائل أنت هنا بتعمل إيه وليه؟
امتعضت ملامح وائل وشمل يزيد بنظرة نفور قائلًا:
.._ الظاهر إن جوزك خاف يكشف كل ورقه وأتعامل معاكِ بمبدأ الندالة زي عادته عمومًا أنا هبلغك نفس الرسالة اللي وصلت له وهسيبك أنتِ تفهميها زي ما تحبي.
سألته روميساء بنفاذ صبر أن يخبرها دون مماطلة فغمز وائل بعينه ليزيد وأردف:
.._ أصل يا روميساء يا حبيبتي في واحد كده بركة ربنا حطه فطريقي فالوقت المناسب وقال لي إن يزيد جوزك وجوز نِعَم سابقًا ڼصب على واحد صاحبه فمبلغ كبير وبسببه صاحبه اتسجن سبع سنين، أخوكِ أول ما عرف راح بلغ السيد الوالد اللي فوقتها استغل إن يزيد نسى يخليكِ تلغي توكيل الإدارة وسحب كل اللي كاتبه باسمك.
أوقف وائل حديثه وعينه تتفرس بملامح شقيقته التي حاول عقلها فهم الصورة ليستدير عنها قائلًا:
.._ أنا شايف إني بلغت الرسالة وعليه اسمحوا لي أمشي وأسيبكم تصفوا الأمور بينكم لوحدكم عن إذنكم.
رحل وائل تاركًا شقيقته وسط دوامة أفكارها بينما كال يزيد لوائل الكثير من السباب ليبتلع ما تبقى على طرف لسانه حين سألته روميساء بتردد:
.._ قول لي إن وائل بېكذب يا يزيد وإنه بيفتري عليك علشان واخد منك موقف من زمان، قول وأنا هصدقك زي ما بصدق كلامك على طول و.
أشاح بوجهه حين حاصرته بنظراتها وأردف:
.._ وأنا ميهميش تصدقي أخوكِ ولا تكذبيه وكلامي معاكِ وسبب خلافي واضح أنا مش عجبني الحال المايل اللي أنتِ فيه وأخر ما عندي يا بنت الناس، يا تبقي زي أي زوجة وتعيشي وترضي بمرتبي وتوفري لي، يا روحي للي يصرف عليكِ ومتوجعيش دماغي.
هرب وتركها تتلظى في چحيم ظنونها ووقفت تتابع حركاته العشوائية وتذمره ولكن ما كسرها اخراجه لحقيبتها ووضعها أمامها ووقوفه محدقًا بها فبدى وكأنه يطلب منها الرحيل، فمالت وحملت حقيبتها وتجاوزته إلى الخارج بخطى مثقلة تبكي دون توقف حين أغلق الباب خلفها.
ومن داخل مسكنها هزت قمر رأسها بأسف بعدما وصلت إليها أصواتهم فهمست قائلة:
.._ اللهم لا شماته أهو حقك بِيرجع يا نِعَم يا بنتي زي ربنا ما قال وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
لم تستطع روميساء العودة إلى منزل والدها خاصة بعدما أفصح عنه شقيقها، فاتجهت تجر أذيال خيبتها إلى منزل دليلة التي وقفت أمامها تحدق بعيونها الحمراء الباكية ووجها الشاحب وحقيبتها المستندة إلى ساقها بوجه مقطب، وأمام صمتها نظرت إليها روميساء بحيرة وأردفت بتردد:
.._ أنا أتخانقت مع يزيد و.
زفرت دليلة وأفسحت لها فولجت روميساء بقلق ولم تكد تخطو إلى منتصف الردهة حتى رن صوت روز يقول:
.._ مين اللي على الباب يا دليلة؟
أجابتها دليلة وهي تجول بعينها فوق جسد روميساء المنتفخ:
.._ دي روميساء يا ماما بتقول أتخانقت مع جوزها وشكلها كده جايه تبات هنا.
جفلت روميساء لجفاء دليلة وأحست للمرة الأولى إن وجودها غير مرغوب فيه فاستدارت لتغادر في اللحظة نفسها التي ظهرت روز تقول:
.._ تعالي يا بنتي مالك واقفة عندك كده ليه؟
لوت دليلة شفتيها فوالدتها ضنت عليها بالحديث منذ خيرتها بين الاعتراف بذنبها أو التعايش معها وكأنها لا تراها لتسمع منها اليوم أكثر مما سمعت طوال الفترة الماضية ووقفت تترقب ردة فعل والدتها التي صډمتها حين احتوت روميساء بين ذراعيها قائلة:
.._ منك لله يا يزيد معقول هان عليكِ يسيبك تمشي وأنتِ بحالتك دي، صحيح راجل ناقص.
أجهشت روميساء في البكاء واستسلمت لذراعي روز التي ربتت على ظهرها بحنو ورومقت ابنتها بضيق وأشارت إليها لتعد لصديقتها ما تشربه، فزفرت بحنق واتجهت صوب المطبخ ولكنها سرعان ما ابتسمت لعودة والدتها للتعامل معها ووقفت تعد كوبًا من الليمون لصديقتها التي لم تستطع تصنع الجفاء معها واسرعت إلى غرفة والدتها لتسمع روميساء تقول:
.._ مقدرتش أروح عند بابا اتكسفت أوريه وشي ويشوفني بحالتي دي بعد ما حذرني وأنا رفضت أسمع كلامه، ومن وقت ما مشيت من البيت لحد ما وقفت قصاد باب بيتكم وأنا بسأل نفسي معقول يكون اتجوزني بسبب الفلوس زي ما وائل قال، علشان كده اتلكك لي.
قدمت دليلة كوب الليمون إلى روميساء وجلست على مقربة منها لتسمع والدتها تقول:
.._ بصراحة يا بنتي ومن غير زعل اللي أنتِ فيه ميجيش حاجة قصاد اللي عملتيه فبنت عمك، ولولا خاېفة تفتكريني شمتانة فيكِ كنت قلت لك إن ربنا بيخلص حق نِعَم منك.
ازداد انهمار دموع روميساء ولدهشتها أمائت برأسها قائلة:
.._ أنا عارفة إن اللي أنا فيه يا دوب البداية يا طنط ودا اللي مخوفني إن ربنا يكون شايل لي عقاپ أكبر من كده بكتير، بس أنا مش هتحمل أعرف إني بعت كل حاجة علشان أشتري واحد طمعان ففلوسي ورماني لما عرف إن مملكش حاجة.
أوقفت روميساء كلماتها ووضعت كوب الليمون قبل أن يراق من يدها فوق المنضدة وتشبثت بيد روز وقالت بتوسل:
.._ قوليلي يا طنط أعمل إيه علشان ربنا ميعاقبنيش بالشكل دا ويطلع يزيد مظلوم و.
بهتت ملامح روز أمام نحيب روميساء فابتعدت عنها باستياء وأردفت:
.._ أنا مش مصدقة إنك مش حاسة بالغلط اللي عملتيه ولسه على ضلالك وعايزة واحد خاېن زي يزيد، يا بنتي فوقي الراجل دا كذاب وطماع وخاېن وعمره ما هيصون العشرة، واللي يدور وراه يلاقيه ساب بنت عمك لما معرفش يطول منها حاجة وبص لك ورسم عليكِ علشان شافك على نياتك ومعندكيش خبرة، فاستغل لهفتك عليه وإنك نفسك تعيشي الحب ولعب بيكِ لصالحه، وللأسف اللي شجعتك على أنك تكملي الغلط بالغلط هي الهانم بنتي، اللي كان مفروض تقولك اتقي الله فبنت عمك، بس هقول إيه ربنا يهديكِ ويلهمك الرشد فالتفكير وتفوقي لنفسك قبل ما تخسري أكتر من كده.
هملتها روز وغادرت الغرفة وجلست روميساء تُفكر بكلماتها لتتنهد دليلة بأسف وأمام حيرة روميساء ودموعها أردفت:
.._ روميساء على فكرة ماما معاها حق، أنا مكنش المفروض أشجعك تكملي مع يزيد، وللأسف طلعت صاحبة أي كلام ومش قد الأمانة ووافقت أنك تغضبي ربنا بعلاقتك مع يزيد، وغلطي الأكبر لما قبلت إننا نظلم نِعَم، علشان كده أنا عايزاكِ تفكري فكلام ماما ووائل وبلاش تخلي حبك ليزيد يعميكِ عن الحقيقة، ولو هو فعلًا بني آدم طماع وغدار كده يبقى أحمدي ربنا إنك دلوقتي على البر وأرجعي لعمي معتز هو عمره ما هيردك وهجيب لك حقك من يزيد وهيقف معاكِ من غير ما يشمت فيك، ولو على ابنك ولا بنتك فربيه كويس وعوضيه عن اللي عشتيه بالغلط، وأطلبي من ربنا يسامحك علشان تعرفي تكملي حياتك.
تطلعت روميساء پصدمة إلى ملامح دليلة المنكسرة وأحست بالرهبة تغزوها فمسحت دليلة دموعها التي سالت ندمًا وأضافت:
.._ سامحيني يا روميساء إني زقيتك على الغلط ووقفت أتفرج عليكِ وأنتِ بتقعي فكل غلط من غير ما أقولك إنه حرام، سامحيني أني مكنتش الصاحبة الصالحة ليكِ وأني أذيتك بكلامي اللي خلاكِ تفتكري إن يزيد من حقك أنتِ، أرجوكِ يا روميساء سامحيني علشان أقدر أكمل توبتي وأخد قوتي منك وأروح معاكِ لعمي معتز أطلب منه السماح على غلطي فحقه لما كنت بكذب عليه وأخبي.
ومن الخارج وقفت روز تردد دعائها أن يهدي ابنتها ويتقبل توبتها ويلهم روميساء الحكمة والتدبر لتنقذ حياتها قبل أن تضيع منها إلى الأبد.
...
للآن لا تصدق أنها تجلس بجواره بطريقها إلى منزل عمها، تتساءل كيف استطاع راجي اقناعها بالموافقة على طلب الزواج منه، والتفتت نحوه تحدق به بحيرة فأشاح بوجهه عن الطريق لثوان قائلًا:
.._ مالك كل شوية تبصي لي وتديري وشك، ها قولي اللي عندك يا نِعَم أنا سامعك.
تنهدت واسندت رأسها إلى مسند المقعد مُردفة:
.._ بصراحة مش مصدقة لحد دلوقتي أني راجعة معاك علشان تقابل عمي؟
ابتسم راجي وعقب بما صدمها:
.._ وهو أنتِ كنت فاكر أني هقف أتفرج عليكِ لما ما يظهر فحياتك حد تاني ويخطفك، يا نِعَم أنا من وقت ما سليم قال لي أنه بيحبك وأنا كنت بكافح علشان ملفش إيدي حوالين رقبته وأعصرها، ويوم ما سمعتك بتكلمي ابن عمك ونزلتي تقابليه مقدرتش أقعد فالمكتب جريت وراكِ فضلت واقف ڠصب عني أسمع هو بيقول إيه بصراحة خۏفت يكون جاي يطلب إيدك فقلت أخليني جاهز علشان لو الموضوع فيه جواز أنط وأبوظه.
رمقته بدهشة طويلًا ليغزو الأحمرار وجه راجي فازدادت تعجبًا وقالت:
.._ لا دا أنت طلعت لغز كبير وبصراحة حاسة أني هتصدم لما أفهم اللي جواك.
صف راجي سيارته جانبًا والټفت إليها وقال:
.._ أوعدك تكون صدمة حلوة ومافيش إلا كل حلو ليكِ عندي يا نِعَم علشان أنتِ فعلًا اسم على مسمى وأنا متمسك بيكِ للنهاية ويا ستي لو على أول لغز فأسمحي لي أقولك إني كنت بعاند نفسي لما أكتشفت أني حبيتك من أول يوم شوفتك فيه، بس اللي خلاني أتراجع المرحومة الله يرحمها لما جات لي فالمنام وقالت لي ليه سايب نصيبك يروح منك وعايز تضيعه من إيدك، بصراحة وقتها خۏفت علشان كده قلت عليا وعلى منافسيني.
غزت الغيرة قلبها وصدمت حين أكد قلبها أنه حقًا يشعر بالغيرة لذكره لزوجته الراحلة وتجلت صډمتها على ملامحها ورُغمًا عنها تفوهت نِعَم بتلقائية معبرة عن غيرتها بقولها:
- واضح إن المرحومة لسه بتأثر عليك حتى بعد ما ماټت هي على كده كانت حلوة.
فغر راجي فاه لوهلة ليعود ويهز رأسه بعدما وعى غيرتها مُجيبًا:
.._ نِعَم أنتِ بتغيري من مراتي اللي ماټت؟
لوت شفتيها مُشيحة بوجهها عنه وأجابت:
.._ هي مش غيرة بس فضول إني أعرف حياتك معاها كانت أزاي؟
ابتسم بسعادة وأطال النظر إلى ملامحها الهادئة ثم عاد لمتابعة قيادته قائلًا:
.._ هقولك على كل حاجة أول ما نكتب الكتاب علشان يبقى من حقي.
تفهمت نِعَم طلبه فأومأت وعادت لتُريح رأسها إلى مسند المقعد تشعر بأنها اختارت تلك المرة من يصون كرامتها ويعززها.
وفي مساء اليوم التالي جلس راجي وبجواره سليم بوجه مقطب وأمامه معتز ووائل الذي بات وجهه مسودًا من الڠضب، بينما على الأريكة جلست نِعَم تضم يدها المرتعشة يدا نادين التي حضرت خصيصًا لتشهد زواج صديقتها من راجي وترافقها بطريق العودة إلى الإسكندرية مُجددًا وبين شرود تلك وغيرة ذاك وحقد أحدهم صدح في النهاية صوت المأذون يقول:
.._ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وبَارَكَ عَلَيْكَ، وجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ.
ليضع بقوله نهاية لآمال سليم الذي أغمض عينه عن رؤية ابتسامة نِعَم بعدما شعر بلهيب الغيرة يأكل قلبه، بينما هب وائل على قدميه مُردفًا بتعمد:
.._ أتمنى المرة دي تعرفي تحافظي على جوزك يا نِعَم و.
.._ وائل...
هز صوت معتز المكان فأجفلت نِعَم التي أهانها قول وائل، بينما سبته نادين سرًا ورمقته پحقد، الټفت وائل نحو والده ساخرًا، لتبهت سخريته حين رأى والده يقف مستندًا إلى ساعد راجي الذي لم يدر كيف ومتى ظهر بجواره، وقبل أن يرفع حاجبه متحديًا إياه أتاه قول راجي الهادئ ليضعه في زاوية الأزدراء من الجميع:
.._ لا اطمن يا أستاذ وائل ومتقلقش على مراتي علشان والدك وكيلها حط إيده فإيد راجل.
رماه الجميع بنظرات استنكار لم يستطع وائل البقاء فغادر مُرغمًا، بينما اقترب معتز من نِعَم وضمھا إلى صدره قائلًا:
.._ حقك عليا يا بنتي معلـ.
أوقفته نِعَم وشبت على قدميها وقبلت جبهته واسندت جسدها إليه قائلة:
.._ ولا تشغل بالك بأي حاجة يا حبيبي، المهم أنا عايزة أعرف حضرتك فكرت فطلبي إنك تيجي تعيش معانا فإسكندرية.
هز معتز رافضًا وأردف ويده تربت رأسها:
.._ وأسيب بيتي طب أزاي؟ يا نِعَم يا بنتي أنا زي السمك مقدرش أسيب بيتي وأعيش بعيد عنه.
لم تقبل نِعَم برده وحدقت بوجهه قائلة برجاء:
.._ عمي أرجوك تعالى معايا وصدقني فأي وقت هتقول لي بيتي وحشني هتلاقينا كلنا جينا معاك ها قلت إيه؟
لف معتز وجهه ونظر إلى راجي بحرج ليبتسم الأخير قائلًا:
.._ على فكرة طلب نِعَم مشترك ويمكن أنا أكتر منها فأني عايز حضرتك تيجي تعيش معانا، على فكرة أنا أخدت شقة هيعجبك والجميل فيها إن فيه جزء بيطل على البحر ومعزول عن باقي الشقة وفيه حيطة كاملة أزاز ها تعالى وأنا هتنازل لك عنه وأمري لله.
أدرك معتز صدق مشاعر راجي نحوه فعينه لم تحد عن عينه ونظراته الثابتة وابتسامته الصادقة دليل محبته فأومأ برأسه، لتتسع ابتسامة نِعَم وراجي الذي غمز لها سرًا فخفضت رأسها حرجًا أمام فعلته، بينما تنهدت نادين وتمسكت بساعد زوجها الذي لف يده حول كتفها ومال نحوها قائلًا:
.._ مش يلا بينا نروح ولا أنتِ عايزة تباتي هنا؟
اسندت نادين رأسها بتعب إلى صدره وأجابته بوهن:
.._ هو يلا بس لو ينفع نروح أي فندق ونبيت فيه وبكرة نسافر يبقى علشان موضوع أني أرجع فنفس اليوم تعبني فوق تعبي.
وصل قول نادين إلى سمع نِعَم فالتفتت إلى صديقتها وأردفت:
.._ يعني بيت أختك يبقى موجود وأنتِ تقولي أروح فندق، لأ أنا كده أزعل يا نادين وأجيب ناس تزعل معايا.
تدخل معتز حين لاحظ حرج سليم قائلًا:
.._ على فكرة نِعَم معاها حق والبيت موجود ومش دا الشقة اللي فوق متوضة ونضيفة هتاخد مراتك وتطلع تريح فيها لحد الصبح نفطر سوا ونتوكل على الله، ولو عامل على العرسان فمعلش يتحملوا هما ويباتوا معايا هنا.
لم يستطع سليم رفض طلب معتز أمام أرهاق زوجته واعتذر حاملًا إياها إلى أعلى يشعر بالخۏف عليها بعدما لاحظ تغضن جبهتها المستمر، ليقف على بعد خطوات منها قائلًا:
.._ أنا بقول أنزل أجيب لك أي دكتور يكشف عليكِ ويطمنا يا نادين.
رفضت نادين ومدت يدها إليه وجذبته ليجلس بجوارها واسندت رأسها لكتفه وأغمضت عينها قائلة:
.._ دوايا فوجودك جانبي صدقني أنا لما أريح جانبك هبقى كويسة فخليك جانبي يا سليم ومتسبنيش.
لم يدر سليم لِما شعر أن قولها الأخير لا يمت لتعبها بصلة وأغمض عينه ليخفي حرجه منها وأردف:
.._ وسليم عمره ما هيسيبك ولا هيبعد عنك أبدًا فنامي يا حببية قلبي وأنتِ مطمنة.
تنهدت نادين بقوة وهمست باضطراب:
.._ هتفضل تحبني يا سليم؟
ارتعش قلبه وأحس بالخۏف فصوت نادين المذبذة زرع بداخله خوف بارد أعتصره بقوة فجذبها بقوة إليه وهو يردد ليُطمئن نفسه قبل أن يطمأنها:
.._ بحبك بس يا نادين دا أنا قلبي معرفش الحب والعشق إلا معاك.
غفت نادين سريعًا وجلس سليم يحدق بملامحها التي أجهدها الحمل لتدمع عينه فجأة فمال بشفتيه وقبل جبهتها هامسًا:
.._ حق عليا يا حب عمري سامحيني على تقصيري فحقك أنا مش عارف عقلي كان فين لما فكرت أني ممكن.
بتر سليم سيل كلماته واستغفر بندم وسحب نادين وساعدها على النوم واستسلم للنوم.
...
لم تستطع روميساء النوم فتسللت بعيدًا عن دليلة بعدما تأكدت من نومها وخرجت إلى الشرفة وحدقت بهاتفها الصامت بعيون يابسة، فزوجها لم يحاول حتى أرسال أي كلمة لها ولم يحاول السؤال عنها، ظلت عينا روميساء معلقة بهاتفها لتحاصرها كلمات روز ودليلة فازدردت غصتها قائلة پألم:
.._ وبعدين يا روميساء أنتِ ناوية على إيه، معقول هتفضلي مغمضة عينك عن اللي قاله وائل وتعملي نفسك مصدقة إن يزيد مكنش بيبتلكك، طب أزاي وتصرفه كان واضح وباين وكلامه ليكِ قبل ما وائل يجي بيأكد المعنى دا، معقول يكون قرب مني لما عرف إنه مش هيقدر ياخد من نِعَم فلوس تاني، ودلوقتي لما عرف إن بابا سحب الفلوس قال خلاص معدش ليا لازمة فحياته.
اعترفت روميساء بأنها لم تسأل يزيد المال منذ زواجهم بل كانت تتوالى كافة المعاملات المادية وتنفق مما تملكه بفيزتها الخاصة حتى بات رصيدها مهدد بالنفاذ، وأنه لم يسألها يومًا عن أي فاتورة قامت بسدادها.
فجأة ارتسمت ابتسامة بلهاء فوق شفتيها لِتتحول شيئًا فشيء إلى دموع منهمرة ومع ازدياد اڼهيارها ضغطت روميساء فوق أرقام والدها ورفعت الهاتف نحو أذنها بأصابع مرتعشة لتشهق پاختناق حين انتهى الرنين دون إجابة لتُعيد تكرار مهاتفه وقبيل انتهاء زمن الرنين أجابها صوته بقلق واضح:
.._ ألو.
تعالى صوت نحيبها فأضاع صوتها لتصله كلماتها مشوهة ضړبته بصميم قلبه فهب معتز عن فراشه وصوت يعلو باستفساره:
.._ روميساء في إيه يا بنتي أهدي طيب وقوليلي مالك، طيب خليكِ متقفليش وأنا هلبس وأجيلك يا حبيبتي.
تعالى صوت شهقات بكائها مع كل كلمة تفوه بها والدها ليكشف لها زيف أفكارها واعتقادها بقسوته الوهمية وعدم محبته لها التي زرعها يزيد داخلها، وأمام خوفه الواضح وصوت تحركه المُربك، حاولت روميساء إجلاء صوتها وهتفت بقوة:
.._ أنا عند دليلة يا بابا أرجوك تعالى خدني.
لم يحتاج معتز لأكثر من كلماتها ليندفع نحو غرفة نِعَم ويطرق بابها ليستجيب راجي له ويفتح الباب وما أن وقع بصره على ملامح معتز الوجلة حتى بادره بقوله:
.._ خير يا عمي طمني حضرتك بخير.
هز معتز رأسه وأجابه بصوت مختلج بمشاعر أبوته رُغمًا عنه:
.._ بنتي يا راجي بنتي محتاجالي وأنا حاسس أني مش قادر أتحرك من مكاني زي ما أكون أتشليت أرجوك يا ابني روح هات بنتي وطمن قلبي عليها.
انضمت نِعَم إلى زوجها واقتربت من عمها الذي لامس صدره بكفه، وأدركت إن عليها تهدأته كي لا يصاب بنوبة قلبية أخرى فساندته وأجلسته فوق الأريكة وأسرعت إلى غرفته وبحثت بين عبوات علاجة حتى عثرت على ضالتها وعادت إليه لتدفع بإحدى حبات العقار أسفل لسانه وعينها تناشد راجي المساعدة ليختفي من أمامها سعيًا لتبديل ثيابه ليعود إليهم قائلًا:
.._ أديني العنوان يا عمي وأنا هروح أجيبها.
كادت نِعَم أن تقترح على عمها استدعاء وائل ليصلها الرد قبل أن تخبره بفكرتها حين تمسك بيدها قائلًا:
.._ مش عايز وائل يعرف حاجة يا نِعَم وساعديني أدخل أوضتي.
أومأت وساندته وعينها تتابع رحيل زوجها باضطراب لينتشلها صوت معتز قبل أن تجرفها دوامة ظنونها:
.._ مټخافيش على جوزك يا نِعَم دا راجل عارف حدود الله وعمره ولو على روميساء فأول ما توصل خدي جوزك وأمشي وأنا مش هخليها تقرب منك طول ما أنا عايش.
احمر وجهها حرجًا وأسفًا لانجراف افكارها ولو لثوان إلى الماضي وربتت كتف عمها بمحبة وابتسمت له لتهون عليه ما يمر به من كرب مُردفة:
.._ متقولش كده يا عمي وبعدين روميساء مهما عملت فهي فالأخر أختي الصغيرة، ولو على اللي حصل فأنا فعلًا مش خاېفة إنه يتكرر لإن راجي غير يزيد، راجي زي ما حضرتك قلت راجل عارف حدود ربنا واللي أكد لي لما حكى لي عن مراته الله يرحمها وقد إيه هو كان نِعم الزوج ليها، أصل راجي يا عمي كان متجوز بنت خالته وللأسف بعد شهر من جوزاهم تعبت ومكنش حد عارف عندها إيه ولما زاد تعبها ومبقتش قادرة تتحرك في دكتور طلب إنهم ياخدوا مسحة من نخاع العضم ويحللوه، وللأسف اكتشفوا إن عندها ورم حبلي فالعمود الفقري ودا کانسر من النوع النادر وكان وصل لمرحلة بتهدد حياتها بالخطړ، وقتها الكل قاله يسيبها ويشوف نفسه ويعيش حياته، بس هو رفض وكان شايف إن مرضها منحة ربنا لا يمكن يرفضها وفضل معاها فرحلة علاجها وعاش كل لحظة ألم مرت بيها لحد ما ربنا أسترد أمانته، ولما سألته ليه اعتبر مرضها منحة مش محڼة؟ قال لي أنها كشفت له حقيقة ناس كتير كانوا قريبين منه علشان المصلحة، وإن في ناس قربت بسبب مرض مراته علشان تقنعه يرتبط بقريبة ليهم أو أخت، ووسط كل دا مأهملش فدوره مع أخواته وفضل معاهم لحد ما كل واحد فيهم أتجوز وبقى مسؤول عن بيت وعيلة، فهل تفتكر راجل زيه ممكن يخون فيوم من الأيام؟
تنهد معتز بارتياح ورفع أصابعه ولمس وجهها وأردف:
.._ الحمد لله يا بنتي إن ربنا كرمك بيه فحاولي لو مكنتيش لسه حاسة ناحيته بمشاعر إنك تحبيه وتتعاملي معاه بما يرضي الله.
أومأت نِعَم مُبتسمة وأخبرته بمرح:
.._ بقى بدل ما توصيه هو عليا بتوصيني أنا عليه، لا حضرتك كده هتخليني أحسده وأقول يا بختك يا راجي بمحبة عمي ليك.
ربت معتز وجنتها قائلًا:
.._ ومش هوصيه عليكِ علشان باين فعينه إنه بيحبك وواقع فيكِ علشان كده قلت أوصيكِ أنتِ.
شعرت نِعَم بالحرج وابتعدت قائلة:
.._ أنا بقول أروح أعملنا كوبيتن لبن دافيين نشربهم لحد ما راجي يرجع إيه رأيك؟
في تلك الأثناء كان راجي يقف أمام البناية يشعر بالحرج لإضطراره طرقه بابًا غريبًا كُليًا عنه ولكنه في النهاية استجمع شجاعته وصعد إلى الطابق الثالث وطرق على استحياء وابتعد سريعًا بضع خطوات إلى الخلف غاضًا بصره، ولم تمض إلا ثوان وكانت امرأة يبدو عليها الشيب تستقبله وحين أشارت إليه لينضم إليهم رفض راجي وأخبرها بحرج:
.._ أنا بعتذر إني جيت بدون اتصال وفوقت زي دا بس لو ممكن تبلغي مدام روميساء إني بانتظارها أكون شاكر لحضرتك.
أحست روز الفخر لرؤيتها تلك الأخلاق الراقية فهو طوال حديثه إليها لم يرفع رأسه أبدًا ولم ينظر نحوها ولو سرًا ليغادر راجي مؤكدًا انتظاره بالأسفل فالتفتت روز إلى ابنتها وأردفت:
.._ أهي الرجالة اللي بجد مش الأشباه اللي جريتم وراها واغضبتم ربنا بسببها، روحي يا بنتي الله يصلح حالك وحال صاحبتها واستعجليها علشان متتأخرش أكتر من كده.
وطوال طريق العودة لم يرفع راجي عينه نحو روميساء التي أختلست النظر إليه مرة وأغمضت عينها عنه لتدرك الفرق الواضح كالشمس بين يزيد وزج نِعَم الذي أبلغها والدها بأنه من سُيعيدها إليه، وحين ولجت خلفه لمحته يُسرع نحو غرفة نِعَم القديمة فاتجهت بخطى متمهلة نحو غرفة والدها لتُفاجئ برؤيتها نِعَم تجلس إلى جواره تتحدث وتبتسم بإشراقة رائعة، لتزفر بحزن على ما أل إليه حالها فهي ظنت أنها أمتلكت سعادتها لتتضح لها الحقيقة بأنها نالت أشد أنواع العقاپ بزواجها من يزيد الذي ما أن أرسلت إليه بخبر عودتها إلى منزل والدها حتى هاتفها قائلًا:
.._ أحسن بردوا وزي ما قلت لو عايزة تفضلي هناك على طول خليكِ عن إذنك.
حمحمت روميساء لتلفت انتباه والدها الذي استحوذت نِعَم عليها كاملة لتلتف لها نِعَم وما أن وقع بصرها عليها حتى تركت مكانها ووقفت قائلة:
.._ طيب يا عمي أنا هروح أوضتي وحضرتك لو أحتاجت أي حاجة نادي عليا علشان مترهقش روميساء عن إذنكم.
وتجاوزتها دون النظر إليها هامسة بترحيب فاتر وأسرعت إلى غرفتها ليستقبلها راجي الذي جلس بانتظارها يتابع ملامحها من كثب، لتشق ابتسامة شفتيه ما أن أكد له قلبه أن زوجته تجاوزت الماضي بنجاح ورافق ابتسامته قوله:
.._ قوليلي تحبي نطير على عش الزوجية بكرة ولا عايزة تقعدي مع عمك كام يوم كمان.
هزت نِعَم رأسها بالنفي واقتربت منه قائلة:
.._ أظن إن عمي معدش محتاج لوجودي معاه وإن روميساء هتعرف تهتم بيه كما يجب المرة دي، علشان كده خلينا نطير على بيتنا بكرة أتفقنا.
أومأ راجي واتجه صوب الأريكة وتمدد قائلًا:
.._ طيب يا دوب ألحق أريح شوية قبل ما الفجر يأذن يلا تصبحي على جنة يا حرمي المصون.
أجابته نِعَم مبتسمة:
.._ وأنت رفيق جنتي يا زوجي العزيز.
...
في اليوم التالي هاتف سليم راجي وأخبره بعودته فجرًا إلى الإسكندرية لحصوله على موعد لزيارة طبيبة زوجته للأطمئنان عليها، وحين انتصف النهار تفاجئت نِعَم بزيارة دليلة ووالدتها وطلبها الحديث إليها على انفراد، فرحبت بها ورافقتها إلى إحدى الغرف لتبادرها دليلة قائلة:
.._ أنا جيت لك النهاردة علشان أطلب منك تسامحيني على ظلمي ليكِ.
سألتها نِعَم التوضيح فخفضت دليلة رأسها وقصت عليها ذنبها كاملًا وختمت كلماتها المغمسة بندمها:
.._ ودلوقتي بعد ما قلت لك اللي عملته كل اللي طلباه إنك تحاولي تسامحيني، وليكِ وعدي أني هبعد علشان أكفي غيري أذايا زي ما ماما قالت لي وأحاول أبدأ صح.
لتغادرها متجهة إلى مكان معتز وكما فعلت مع نِعَم صارحت دليلة معتز بكل أغلاطها وغادرت إلى منزلها تشعر بالراحة والتفتت إلى والدتها وأردفت:
.._ أظن كده مفضلش غير أنك تسامحيني يا أمي.
ضمتها روز بين ذراعيها قائلة:
.._ ومين قالك أني مش مسمحاكِ يا دليلة، لا يا بنتي أنا مسمحاكِ وراضية عنك طالما رجعتي لربنا وتوبتي.
ودعت نِعَم عمها رغم رفض عمها رحيلها وطلب روميساء منها البقاء بضعة أيام معهم، وغادرت برفقة زوجها وعادت إلى الإسكندرية لتبدأ حياتها معه.
بينما في القاهرة طلبت روميساء من والدها مهاتفة يزيد ليضع حدًا لما بينهما، فلبى مطلبها وسأله الحضوره لينهي مهزلة تلك الزيجة، ليُفاجئه يزيد بقوله:
.._ ويا ترى حضرتك عايز تشتري حرية بنتك بكام؟ وبما إني غلطت واتسرعت وطلقت نِعَم من غير ما أخليها تدفع فأظن إن من العدل إنك تدفع تعويض عن طلاقي ليها.
استمعت روميساء لكلمات يزيد الصاډمة وحدقت بوجه والدها بحزن ليبدل قول يزيد حزنها إلى ڠضب بقوله:
.._ دا غير تمن تسجيل بنتك للطفل اللي هي حامل فيه باسمي.
صړخت روميساء معبرة عن استيائها قائلة:
.._ آه يا ندل هي حصلت أنك تطب تمن ما هتسجل ابنك باسمك؟
أجابها يزيد بهدوءٍ قاټل:
.._ بما إنك سامعة كلامي مع والدك فأنا هضيف مبلغ نظير إهانتك ليا وتدخلك فالحوار بينا، ويا ريت تمسكِ لسانك وأدبك علشان لو نطقتي حرف زيادة فصدقيني بكرة الصبح هتلاقيني رافع عليكِ قضية رفض نسب وهقدم قسيمة جوازنا للمحكمة وتقرير الدكتور اللي بيقول إنك حامل من قبل ما نتجوز ووقتها يا حلوة أبقي دوري على هتكتبي ابنك باسمه.
همت روميساء بالتعقيب مرة أخرى ليصدمه انهاء يزيد للأتصال فالتفتت نحو والدها وأردفت پبكاء:
.._ أنا عارفة إني ارتكبت كبيرة من الكبائر وعصيت ربنا وعصيتك بس أرجوك يا بابا خليك جانبي ومتسبنيش تحت رحمة البي آدم دا، أرجوك تطلقني منه أنا عارفة أني مستحقش وإنك لو رفضت محدش هيلوم عليك، بس أنا طمعانة فمغفرتك وسمحاك ليا إنك تطلقني منه.
أومأ معتز حين لامس اڼهيار ابنته وشحوبها وأردف:
.._ حاضر يا روميساء أنا هديله اللي هو عايزه وهخليه يطلقك.
جلس معتز بغرفته بما عليه فعله ليقنع ابنه بدفع المبلغ اللازم ليحرر شقيقته، ليصدمه وائل بقوله:
.._ أنا أسف يا والدي بس نِعَم لما اتنازلت، اتنازلت بس عن نصيبي وأنا بصراحة أخدت جزء كبير من الفلوس ودخلت شريك مع ناس صحابي، عمومًا حضرتك تقدر تكلم نِعَم وتطلب منها تديلك الفلوس ومتقلقش نِعَم هتديلك اللي أنت عايزه بزيادة ودلوقتي لو تأذن لي علشان عندي ميعاد مع أصحابي ومش عايز أتأخر عليهم.
وللمرة التي لا يعلم عددها أحد اثبت نِعَم أن المال لا يعني لها نظير أن ترى الراحة بعين كل من يعنون لها شيئًا في الحياة، وأرسلت إلى عمها كامل المبلغ الذي طلبه يزيد وأكثر كما أعادت إلى روميساء ما كتبه عمها لها وسحبه منها، ليقف راجي على بعد خطواتٍ منها يحدق بملامحها التي ارتسمت عليها الراحة حين هاتفها عمها مجددًا ليخبرها بإنهائه زواج ابنته التي بُني على الباطل، لتجفل حين ضمھا راجي بين ذراعيه مقبلًا وجنتها بحنو قائلًا:
.._ اللي سماكِ نِعَم مغلطش أبدًا.
الخاتمة..
بعد مرور ثلاث سنوات تبدلت خلالها حياة الجميع..
باتت روميساء أكثر رزانة وعقلًا خاصة بعدما تعلمت درسها جيدًا وبعد عام من طلاقها أصطحبها والدها معه إلى بيت الله الحړام فوقفت أمام الكعبة المشرفة تبكي عِظم ذنبها لجورها على حدود الله، وبعد مرور ستة أشهر من عودتها من عمرتها تقدم إليها أحدهم للزواج منها واعدًا إياها برعايته لابنتها التي أعطاها يزيد اسمه وتنازل لها عنها كليًا، ليغمرها بمحبته ورعايته كأنها ابنته من صلبه.
أما شقيقها فعوقب بفقد أكثر الأشياء حبًا إلى قلبه وهو ماله الذي أخذه عنوة وخاصم والده من أجله بل وتنصل من واجبته نحوه، فقده لا بل سلبه منه أصدقائه ورحلوا بعيدًا تاركين له دين وخيارًا أم التسديد أو الحبس، لټصفعه شقيقته تلك المرة بسدادها الدين وحرصت على إبقائه بعيدًا عن قضبان السچن.
أما سليم فقد أكرمه الله بثلاث ابناء زادوا من قوة الرباط الذي يربطه بنادين التي عمد سليم على تخصيص جزء من يومه يقضيه برفقتها يقرأن القرآن سويًا أو يصطحبها إلى الخارج ليعبر لها عن مشاعره وحبه ويشكرها لوجودها في حياته.
بينما دليلة بدأت مشروعها التجاري الذي تمنته طويلًا ليتدل حالها إلى الأفضل ووصلت إلى قمة سعادتها حين أرسلت والدتها إلى الحج.
...
أما بمنزلها وبعدما اقنعتها نادين باستخدام الاختبار، غادرت نِعَم مرحاض غرفتها بعيونٍ باكية في اللحظة التي ولج فيها راجي إلى الغرفة لتصدمه رؤيته لدموعها وتحديقها بشيءٍ ما بين أصابعها، لتجفل نِعَم لرؤيتها إياه بتلك اللحظة وحدقت به بعيون متسعة متابعة تقدمه منها، وحين بات راجي على بعد خطوة واحدة منها رفعت نِعَم اختبار الحمل أمامه قائلة:
.._ هتبقى بابا يا راجي، أخيرًا ربنا تمم علينا فضله وهيكرمنا ويبقى عندنا ابن.
ارتجف راجي وخر أرضًا وسجد لله شكرًا فجلست نِعَم إلى جواره ليعتدل راجي ويسحبها بين ذراعيه قائلًا:
.._ من هنا ورايح مش عايزك تعملي أي مجهود وتريحي على قد ما تقدري لحد ما يشرف ولي العهد أو أميرتنا أتفقنا.
أومأت بعيون دامعة وتنهدت قائلة وهي تحدق بعينه:
- راجي أنا عايزة أكفل يتيم كشكر لله على فضله أني هبقى أم.
ضم وجهها بين كفيه وقبل جبهتها قائلًا:
- وبعدين معاكِ يا نِعَم أنتِ هتفضلي كده تسبقيني بخطوة للخير.
تنهدت نِعَم بسعادة وأجابته بصدق:
- أنا اتعلمت منك عمل الخير وبقيت بحاول أنافسك علشان ربنا يكرمني وأبقى زوجتك فالجنة زي ما أنا زوجتك فالدنيا.
...
من ظن أن من ظُلم ولا يرى المظلوم حقه يرده ولو بعد حين فعليه إعادة تفكيره، فالله إن أبدًا لا يُهمل وإنما هو يُمهل الظالم الوقت ليترك له خيار التراجع عن ظلمه ورد المظلمة فينال عفو الله والمغفرة، أما إن أختار التجبر والفجور فالله يُمهله الوقت الكثير حتى يظن أنه كان على حق ليأخذه الله أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ويجعل منه العبرة لمن لم يعتبر، وهكذا كان حال يزيد الذي قرر البحث عن فريسة أخرى ليقع بفخ الژنا مُجددًا غافلًا عن إصابة شريكته بمرضِ عُضال، كما غفل عن صديقه المغدور الذي انتظره وأمهله الوقت حتى أحكم الفخ حول عنقه، ووقف يراقبه وهو يجذب أطراف الحبل أكثر حتى أعتصر بيده عنقه، فدفع بأحدهم ليوسوس إليه ويثير رغبته فجني المال دون جهد بمشاركته بجلب الحبوب المُخدرة من الخارج والإتجار بها، وبعد محاولات لإقناعه فاز طمعه وحبه للمال وشاركه، وباللحظة الحاسمة ألقت الشرطة القبض عليه ليقف في النهاية خلف القضبان ذليلًا ينتظر مصيرًا نهايته المۏت بعدما اتهتم بالإتجار، لينال الخائڼ جزاء خيانته التي سقط من فوق مرتبة الشرف.
تمت
منى أحمد حافظ