وصمات بالجملة لرحمة السيد
فأغمضت عيناها پألم متمنية لو كان عناق حقيقي هي في أشد الحاجة له متمنية لو كان ما يعيشونه كابوس ستستيقظ منه لتجد نفسها بين أحضانه كالعادة.. تحركت أصابعه بتلقائية كعادته عندما يتوتر لتشعر بحركته فوق خصرها فابتلعت ريقها بتوتر اكبر غم مرور الثلاث شهور على زواجهم... ولكن مازالت لمسته التلقائية لجسدها تهز أعمق نقطة داخلها بعاطفة لا تظهر سوى له وحده...
ثم شعرت جنة بالدفئ الذي كان يحيط بها قد اختفى فجأة فانتبهت انه ابتعد عنها حين دخلت والدته وهي تمسك بهاتف جنة مشيرة لها وهي تقول
ردت جنة بنبرة ملجلجة وهي تمد يدها لتلتقط الهاتف منها
تسلميلي يا ماما تعبتك.
تعبك راحة يا حبيبتي انا همشي بقا عشان ألحق أحضر الغدا وكده.
قالتها والدته وهي تعدل من حجابها في استعداد لتقول جنة يتبعها عمار
ليه بس يا ماما ما انتي قاعده!
فهزت رأسها نافية
لا يادوبي بقا امشي وكمان انا كنت جايه اجيب لجنة السمبوسة عشان قالتلي نفسها فيها فقولت اجبلها تاكلها معايا.
ليتنحنج عمار بعدها متابعا
تمام يا أمي يلا هوصلك.
فهزت رأسها نافية لتخبره
لا يا حبيبي تسلم ده الشارع جمب الشارع اقعد انت اتغدى مع مراتك ربنا يهدي سركوا ويسعدكم.
هادخل اخد دش ياريت أخرج ملاقيكيش!
ثم استدار ليتوجه للمرحاض دون أن يعطيها فرصة الرد وهي لم يكن لديها ما تقوله اصلا بل تحركت كالصنم مسلوب الروح لتأخذ ملابسها ثم غادرت المنزل في نفس الصمت ...
مالك يا جنة إيه اللي حصل
فهزت رأسها نافية وهي تدخل لترمي حقيبتها أرضا وتجلس على أقرب مقعد متمتمة بشحوب يوازي شحوب وجهها
فعقد والدها ما بين عيناه بعدم فهم
ومن امتى لما بتحصل مشكلة بينك وبين عمار بتسيبي البيت
فهزت كتفاها بقلة حيلة تحاول إبعاد عيناها الدامعة عن عيناه المتفحصة التي شابهت عينا الصقر في تلك اللحظات وقالت
اهو اللي حصل بقا يا بابا.
فأعاد والدها وجهها أمامه واستطرد في إصرار
لأ انا مش مطمن شكل المشكلة دي كبيرة انتي مش شايفة وشك عامل ازاي شكلك معيطه لما قايله يا بس!
عضت على شفتاها تحاول كتم الدموع التي هددت بالإڼفجار فخرج صوتها مكتوما مرتعشا بخنقة البكاء وهي تهمس
بالله عليك ما تسألني عن حاجة دلوقتي خدني في حضنك بس ممكن
لم ينطق بحرف آخر بل جذبها لأحضانه يربت على حجابها في حنو اعتاد أن يغدقها به بينما هي واخيرا وجدت مسند ومسكن لها لتبكي براحة بين أحضانه بعد أن أخذت الساعات الماضية تبكي كاليتيمة دون ملاذ.
وبعد فترة ليست بكبيرة رفعت عيناها المنتفخة من البكاء تسأله مفكرة وكأنها استدركت للتو عدم وجود والدتها
امال فين ماما مش شيفاها
فرد والدها بهدوء
عند ام نوال جارتنا ما انتي عرفاها بتحب تقعد ترغي معاها بالساعتين.
اومأت جنة برأسها دون رد ليداعب والدها أحمد وجنتاها بحنان أبوي ويردف متسائلا
برضة مش هاتهربي مني هاا احكيلي اتخانقتي مع عمار ليه
لم تجد مفر من نسج خيوط حكاية من الخيال اضطرت للجوء لها فابتلعت ريقها وقالت
مفيش يا بابا سبب خناقة عادية عشان طلعت البلكونه بشعري وجارنا هو بيقول إنه مش كويس وكان واقف وشافني واتخانقنا وكلمة مني على كلمة منه سبت البيت ومشيت.
فسألها متعجبا
وعمار سابك تمشي غريبة يعني.
لتهز هي رأسها نافية تحاول إقناعه
لأ منا نزلت بعد ما هو نزل.
اومأ والدها برأسه وهو يستمع لها ثم سألها مستنكرا بلطف وكأنه يحادث طفلة
طب وهو أي واحدة تتخانق مع جوزها تسيبله البيت وتمشي اټخانقتوا يبقى الخناقة تفضل جوا بيتكم مش براه تخاصميه تبعدي اخرك اوضة الاطفال مش برا عتبة الباب.
ابتلعت ريقها بتوتر ثم هتفت بصوت مبحوح من البكاء
ما انتوا كنتوا واحشني كمان فبصراحة اتلككت عشان اجي اشوفكم.
حينها تبسم والدها قائلا برفق
ماشي يا شقية بتعرفي تضحكي عليا بالكلام بس بقولك إيه معندناش بنات تبات برا بيت جوزها اكتر من ليلة بكره الصبح ترجعي بيتك متخليش الشيطان يدخل بينكم اكتر.
فتحت فاهها لتعترض ولكن أوقفها دخول والدتها المتلهف وهي تنادي بأسمها
جنة.
لينهض والدها مبتسما وهو يخبرهم بهدوء
اهي جات اهي انا هنزل أصلي العشا وأسيبكم تقعدوا مع بعض شوية.
اومأت كلتاهما بابتسامة متكلفة تسلقت لأعتاب ثغرهن بصعوبة وما إن غادر حتى قالت والدتها هناء بصوت قلق
اوعي تكوني قولتيله حاجة.
لتنفي جنة برأسها مؤكدة
لا طبعا بابا لو عرف حاجة زي دي مش بعيد يروح فيها.
اومأت هناء برأسها ثم ألقت نظرة شاملة سريعة على جنة وهي تسألها بحروف إنطلقت من منبع القلق الذي تراكم فوق دقات قلبها خلال الساعات التي مرت
حصل إيه يا حبيبتي طمنيني عملك حاجة اذاكي
بمجرد العودة لنفس الموضوع وجدت الدموع تصحو لتستعيد فرض سيطرتها على عينيها فهمست بصوت متحشرج على وشك البكاء
لأ مآذانيش بس اتنرفز جامد اوي لما مرضتش اقوله مين اللي عملها واداني مهلة ٣ ايام افضل فيهم هنا وارجع بعدهم أقوله مين عمل كده.
فضيقت هناء عيناها تسألها وهي تحاول التخمين
وانتي طبعا مش هتقوليله صح
وضعت جنة يدها على جبهتها وهي تنكس وجهها أرضا ثم غمغمت في قلة حيلة
مش عارفة بس مينفعش.. مينفعش مقولوش انا كده بحكم على حياتنا سوا بالفشل.
فرفعت هناء وجهها نحوها تخبرها بقوة
بالعكس انتي كده بتتصرفي صح تقدري تقوليلي عمار اول ما يعرف مين اللي عمل كده هيعمل إيه أراهنك إن ماراحش قټله طب لو قولنا هيتعاقب بس على اللي عمله فيكي فين الدليل احنا ممعناش دليل على اللي عمله ومش هيتحبس هتبقي ډمرتي كل حاجة ومخدتيش حقك وهو ماتجازاش ده غير إن أبوكي أكيد هيعرف ومش هايسكت هو كمان والموضوع هيطلع من ايدينا وهيتعرف للناس وهنبقى تحت رحمة كلام الناس والله اعلم يصدقوا ولا ميصدقوش إن ده كان ڠصب عنك مش بمزاجك وانتي عارفة الناس طول ما حاجة متخصهمش يبقى معندهمش مانع يفضلوا يعيدوا ويزيدوا في الكلام في الموضوع ده عشان يسلوا فراغهم.
إرتجفت شفتا جنة بشهقة باكية وهي تخبرها في نبرة واهنة مرتعشة
بس انا مش هقدر أخسر عمار يا ماما.
مين قال
بس إنك هتخسريه يا قلب أمك.
عمار لو معرفش مين عمل كده هيطلقني.
فباغتتها والدتها بالحل الأمثل من وجهة نظرها
انتي تقوليله إن اللي عمل كده سواق تاكسي.
فهزت جنة رأسها بعدم اقتناع
عمار مش غبي ومش هيصدق هيقولي طالما كده خبيتي ليه من البداية!
قوليله إن السواق ده من منطقتنا وأنتي كنتي خاېفة ليتهور ويروح يتجن وېقتله.
أغمضت جنة عيناها بقوة تشعر أنها كلما حاولت أن تتجه يمينا او يسارا لتنجو من تلك الدوامة تجد سدا أمامها يمنعها...!
إنتبهت حينما سألتها والدتها بصوت حازم
انتي بتثقي فيا وبتثقي إني مش هافكر إلا في اللي فيه مصلحتك ولا لأ
فأومأت مؤكدة دون تردد
أكيد يا ماما.
لتنتفخ حروفها بالحزم وهي تتابع
يبقى تسمعي كلامي وتقوليله زي ما بقولك وبكره الصبح ترجعي بيتك زي ما ابوكي قال وتقوليله بابا قالي ارجعي وحاول تحنني قلبه عليكي عمار بيحبك ومش هيفرط فيكي بسهولة.
حينها زفرت جنة بعمق ثم همست في استسلام
حاضر يا ماما.. حاضر ربنا يسترها.
فربتت والدتها على كتفاها وهي تسحبها لدفء أحضانها تشعر بمخالب قلة الحيلة والخۏف التي تنهشها نهشا بسبب تلك الکاړثة التي لم يكن لها دخل فيها ولو بحجم إصبع ولكن... حلت الکاړثة ويجب أن تفكر في كافة العواقب من كافة الاتجاهات ..
اليوم التالي صباحا.....
بالفعل عادت جنة لمنزلها تحاول بث الشجاعة في نفسها بالرجوع لذكرياتهم الرائعة سويا والتي تعطيها أمل دوما أن حبها في قلب عمار لن تقتلعه أي عقبات..
كانت في المطبخ تعد الطعام كعادتها كما كانت تفعل دوما او بمعنى أوضح لتشغل نفسها عن التفكير فيما حدث وسيحدث...
سمعت صوت الباب يفتح فعلمت أن عمار عاد من عمله أخذت شهيقا عميقا وهي تستعد للقادم ولكن ما إن رأته أمامها... يحدق بها بتلك النظرة الباردة ثم يسألها مستنكرا
انتي بتعملي إيه هنا معقول قررتي تقولي هو مين بالسرعة دي
حينها أحست جنة أن ملامحه الصارمة أتت كالعاصفة على كل ما قررته وكانت تجهزه لتقوله لتطيح به مع مهب الرياح... وتبقى هي وحيدة أمامه تفكر.... ترى هل تخبره الحقيقة وتضمن أنه لن يفترق عنها ابدا .. ام تكذب عليه كما اتفقت مع والدتها لتنقذ آخرين وربما لن تنجو هي بكذبتها وتضع عقبة جديدة في طريق حياتهم سويا..... !
يتبع
الفصل الثالث
تلجلجت كافة خلاياها وشعرت بحروفها تفر فرا من بين شفتاها حتى أنها فتحت فمها وأغلقته عدة مرات في محاولة لإستحضار أي حروف كانت تجهزها ولكن استحضارها لما كانت تستعد له بدا كتحضير احدى التعاويذ القوية والتي لا قدرة لها على مجابهتها...!
فرفع عمار حاجبه الأيسر يسألها
انتي راجعة عشان تسكتي تاني!
حينها هزت رأسها نافية وأخيرا قررت كلماتها العطف عليها فإنصاعت لها لتتحرر من بين شفتاها متقطعة بتوتر جلي
لأ ده آآ.... بابا.... أصل بابا قالي ارجعي البيت وصمم إني ارجع النهاردة.
فسألها بنبرة فظة
ورجعتي بناءا على إيه
فهزت كتفاها معا وهي تجيب بقلة حيلة
معرفتش أرفض فرجعت.
للحظة خيل له أنها ستعطيه بجوابها مفتاح لتلك الغرفة المظلمة من الأكاذيب والصدمات التي تحبس كلاهما حتى إختنقا ولكنها أذابت أمله كزبد البحر ما إن عادت لتتهرب من المواجهة المصيرية...!
فقلب عيناه وكأنه يحاول تكبيل شيطان الڠضب الذي يجاهد ليخرج من بين جنح الجمود الظاهري ثم خرج صوته أجش جاف
هتقعدي هنا اليومين الباقيين وبعدها تيجي وتقوليلي قبل اليومين دول وطول ما انا في البيت مش عايز أشوف وشك نهائي وكأنك مش هنا.
وما إن أنهى كلماته كاد يغادر ولكن جنة أوقفته وهي تقترب منه خطوتان حتى أصبحت أمامه على بعد إنشات قليلة ثم همست بصوت حمل شيئا خاڤتا من التوسل
عمار ممكن تسمعني لو سمحت.
توقف مكانه على مضض دون أن ينظر نحوها حتى لتستطرد