الأربعاء 25 ديسمبر 2024

ضبط واحضار بقلم منال سالم

انت في الصفحة 5 من 34 صفحات

موقع أيام نيوز

ويهزأ به ويهينه بشكل فج يجعله عرضة للسخرية والاستخفاف وها هي قد تجرأ عليه واخترقت القواعد التي تغلف هالة شخصيته المتباهية لهذا أقسم ألا يتركها لشأنها وإن لجأ إلى أساليب مخادعة لم يستخدمها من قبل.
أمام السيارتين اللاتين جئن بهما وقفن عند جراج المركز التجاري في مواجهة بعضهن البعض يثرثرن عما حدث قبل قليل بالطبع كان التوتر سيد الموقف لتهتف ميرا في صوت منفعل نسبيا بالكاد تكافح لتجعله ثابتا فلا يظهر اختناق نبرتها 
مكانتش خناقة مش هنضيع وقتنا كله نعيد ونزيد في اللي حصل.
ردت عليها بهاء بغيظ وكأن ما اندلع داخلها من ألسنة اللهب لم تخمد بعد 
حقيقي بني آدم سيرته تفور الډم أنا عارفة كنتي مرتبطة بيه إزاي
أحيانا حين تتحدث ينفلت لسانها وينطق بغير احتراز ما يزعج الغير لهذا أخبرتها بسنت في شيء من العتاب 
مالوش لازمة الكلام ده يا بيبو.
برطمت الأخيرة بكلمات مبهمة في حين تحدثت ميرا بصوتها الذي اختنق بشدة وقد راحت عبراتها ټخونها وتنساب من طرفيها 
وأديني عرفت غلطتي كنت مفكراه حاجة وطلعت أونطة وخلاص محيته من حياتي ممكن ما تتكلموش عنه نهائي.
في جمود وبلا تعاطف قالت بهاء 
يكون أحسن.
أشارت بسنت بيدها في الهواء 
تعالوا نروح مكان تاني.
اعتذرت منهن ميرا وهي تكفكف دموعها بمنديل ورقي استله من حقيبتها الجلدية الصغيرة 
لأ ماليش مزاج خلونا نروح.
استمرت بهاء في تذمرها فهمهمت بخفوت وهي تفتح باب السيارة لتركب في الأمام 
ربنا ياخده بوظ علينا اليوم والخروجة.
قبل أن ينطلق ميعاد أول محاضرة في التدريب الاستثنائي بفترة تواجد كلا من عمر وأنس في قاعة التدريس من أجل التأكد من وجود كافة المواد المطلوب عرضها على المشتركين به ليصبح لديهم فكرة مفصلة إلى حد كبير عنه. ورغم أن الأخير لم يفعل أي شيء سوى الجلوس في صمت والتحديق في الفراغ إلا أن الأول لم يتركه لشأنه وأفسد عليه سكونه فاستطرد يخاطبه في شيء من الاسترابة 
أول مرة أشوفك عايز تدي محاضرات في الأكاديمية لأ ومعايا كمان.
رفض أنس الاعتراف بالهزيمة مهما بلغ مكر من أمامه ومهاراته الذكائية فقال في غموض غير مريح 
المرادي غير يا باشا.
علق عليه بعينين ضيقتين 
مش مطمنلك.
غمغم في نبرة هازئة رغم تجهم تعابيره 
ما أنا الشرير في رواية أحدهم...
انخفضت نبرته إلى حد كبير وهو يتم جملته 
وهي بالذات أحدهم!
لم يوله عمر المزيد من الاهتمام وانشغل بمراجعة عمله ليواصل أنس الكلام في صوت لم يفارق حنجرته من الأساس 
ما هو تار بايت مش بس عندك لأ بقى عندي كمان!!
هل يمكن محاربة الخبث واللؤم بالمبادئ والأخلاق سؤال لطالما طرحته في رأسها وهي تعيد محاسبة
نفسها على ما اقترفت من أخطاء كانت مترددة بعض الشيء في الاعتراف بخطئها وما زاد من تغلغل هذا الشعور المؤرق هو تجاوز رفيقتها لمحنتها في زمن قياسي وعودتها لممارسة حياتها الطبيعية بشكل أكثر من رائع ومثير في نفس الآن للشكوك وكأنها تعافت من شعور الخداع والكذب بمعجزة ربانية ولم تكن فريسة للحب الأعمى فلو كانت مكانها لما تمكنت من تخطي ذلك الأمر بسهولة.
لم تكف ميرا عن سرد محاسن رحلتها الفجائية الأخيرة عبر مكالمة هاتفية وراحت تستفيض في إظهار كم المتع والأوقات المشوقة التي قضتها في سفرتها تلك أصغت إليها بهاء بقليل من الاهتمام وهي تقوم بترتيب خزانة ثيابها وعلقت بين الحين والآخر عليها لتقول الأولى في النهاية كأنما تعاتبها 
دي كانت نقصاكي. 
تنهدت قائلة 
ورايا ارتباطات ما إنتي عارفة.
جاء تعقيبها سخيفا إلى حد ما 
ما تفكك من جو الدراسة والورق والمذاكرة وشوفي حياتك واتمتعي بشبابك بدل ما هو ضايع كده من غير فايدة.
معلش يا ميروو مش كل الناس زيك أنا معظم الوقت لواحدي وبدور على حاجة مفيدة تشغلني وآ...
قاطعتها فجأة لتختتم اتصالها بغرابة 
بقولك إيه هكلمك وقت تاني علشان بينادوا عليا.
قالت وهي تبعد السماعة عن أذنها 
أوكي سلام.
تبسمت بعدئذ في مرارة مخاطبة نفسها وهي تفترش الأرضية جالسة عليها لتقوم بطي كومة الثياب التي جمعتها بعدما أفرغت الدولاب من محتوياته 
يا رب يكون عندي نص روقانك ده!!
يتبع الفصل الثالث
الفصل الثالث
حينما نامت في ميعادها غطت في نوم عميق فكان حلمها حافلا بالكثير والكثير من الأحداث المتداخلة لم تستطع تذكر أيا من تفاصيله سوى ذلك الجزء الذي تضمن وجوده فيه حيث كانت تقف في نفس المكان بالنادي المزدحم وتقذفه وسط الحضور بالبيض وهي تضحك في سخرية صريحة وإذ فجأة انطلق مندفعا تجاهها كالثور الهائج فهرولت ركضا لتفر من أمامه لكن خطواتها كانت تتثاقل رويدا رويدا كلما حاولت الابتعاد عنه.
لم تستطع بهاء الصړاخ عندما أمسك بذراعها استدارت لتلكمه في وجهه فأمسك بقبضتها قبل أن تصل إليه ليقوم بتقييد حركتها فأصبحت غير قادرة على الفكاك من بطشه الأكيد وعندما فتحت فمها لتصرخ مستغيثة بأحدهم وجدته يسده ببيضة مسلوقة لتنحشر أنفاسها وتسعل في صدمة أعجب ثم وهي تحاول مضغ وابتلاع البيضة ذات المذاق المرير لتتمكن من الصياح طالبة للنجدة.
سمعت صوته يتوعدها
أنا هعملك عجة!
حاولت الانزلاق من على كتفه لكنه ظل متشبثا بها فأخذت تهتف وبقايا البيضة الممضوغة تتقاذف من فمها
عجة مين سيبني يا ....
انفلتت منها صړخة قوية عندما وجدته يلقي بها في المسبح الذي تحولت مياهه إلى بصل ودقيق ممزوج بالبيض المخفوق والفلفل الأسود لتشعر بنفسها ټغرق في هذا السائل اللزج. آخر ما أبصرته قبل أن يعم الظلام من حولها كان قيامه بإلقاء البقدونس على الخليط كل ما شغل تفكيرها لحظتها هذا السؤال الغريب كيف سيقوم بإشعال النيران من أسفل المسبح المتسع أم أنه يوجد بالفعل موقد تحته وهي لم تتمكن من رؤيته!
استيقظت بهاء من حلمها المريب وهي شبه تلهث وتشعر أيضا بجفاف شديد في حلقها استغرقها الأمر عدة لحظات حتى تستوعب أنها عايشت كابوسا عجيبا لا يمكن أن يحدث إلا في خيالها المرهق تفلت على يسارها ثم اعتدلت بعدئذ في رقدتها وهمهمت مع نفسها باندهاش
هو في إيه
مدت يدها لتمسك بهاتفها المحمول تفقدت الوقت فوجدته لا يزال مبكرا على موعد استيقاظها الفعلي لذا تركت الهاتف جانبا وفركت عنقها برفق لتسمع زئير معدتها وتقلصها فخفضت من يدها لتتحسس بطنها الجائع. بنظرة عامة بحثت عن شيء تتناوله لتسد جوعها أولا وأيضا لتخفف من حدة المرارة الموجودة في جوفها لم تجد أي شيء على الكومود أو في الدرج بغرفتها لهذا نهضت من على الفراش بتكاسل واتجهت في خطوات شبه زاحفة إلى المطبخ.
فتحت الثلاجة وأمسكت بزجاجة المياه لتشرب القليل قبل أن تخرج من الرف العلوي قالب الحلوى الذي صنعته لها زوجة عمها في وقت سابق. التقطت شوكة معدنية من أحد الأدراج المخصصة للاحتفاظ بأدوات الطهي وقضمت جزءا من طرف القالب الشهي لتدسه في فمها وهي تخاطب نفسها
مش متفائلة خير.
بلا استعجال فرغت من تناول القالب بأكمله وتركت الصحن المتسخ في حوض الغسيل مع الشوكة ثم سارت نحو الخارج لتعود إلى غرفة نومها وهي تأمل ألا تستأنف باقي هذا الحلم العجيب حينما تستكمل ساعات نومها المتبقية.
في كثير من الأحيان يحتاج الاعتياد على الاستيقاظ مبكرا إلى بعض الوقت
حتى يتأقلم الجسد والعقل معا على التغييرات التي تطرأ على كليهما دفعة واحدة لهذا أجبرت بهاء نفسها على تغيير نمط نومها قبل عدة أيام لتتمكن من الاستفاقة في موعدها دون أن يصيب رأسها ذلك الصداع المزعج فتبقي على حالتها النشطة حتى انقضاء يومها الدراسي الأول في المعهد.
كما تعودت ارتدت ثيابا رسمية تناسب
من وجهة نظرها تواجدها في مكان كهذا يعج بأفضل الشخصيات ذكاء وتفكيرا لهذا فضلت ارتداء بدلة كحلية اللون من أسفلها وضعت قميصا من اللون الأبيض مع حذاء جلدي يحمل نفس درجة لون حلتها وذي كعب قصير أما تسريحتها فلم تختلف كثيرا عن المعتاد كانت خصلاتها منضبطة مجموعة في كعكة محكمة في منتصف رأسها إلا من خصلتين انسابتا على صدغيها.
ألقت نظرة أخيرة على هيئتها في المرآة لدهشتها تنشطت ذاكرتها بهذا الحلم العجيب فطرحته عن عقلها مرددة مع نفسها
أل يعملني عجة أل!
هزت رأسها في إنكار وراحت تراجع أشيائها في تعجل قبل أن تفتح الباب وتخرج من منزلها.
كانت بسنت في انتظارها أسفل بنايتها لتذهبا معا إلى هناك على عكس رفيقتها المفعمة بالنشاط والحيوية كانت تتثاءب وتشعر بثقل في رأسها فقد ظلت مستيقظة حتى مطلع الفجر تقريبا تكافح لاستدعاء سلطان النوم لكنه عاندها وتركها في أوج يقظتها مما انعكست آثار قلة حصولها على قسط وافر من النوم على تركيزها في وقت النهار. ألقت بهاء التحية عليها وهي تستقر جالسة بجوارها نظرت إليها بإمعان وسألتها
مالك
وضعت يدها على فمها لتخفي تثاؤبها الواضح ثم أجابتها في صوت شبه ناعس
محتاجة شوب كبير قهوة علشان أفوق.
ابتسمت ساخرة منها لتخبرها
ما أنا قولتلك حاولي تظبطي نومك بس إنتي ماسمعتيش كلامي.
زمت شفتيها قائلة بتذمر عابس
هو أنا لسه في مدرسة علشان أنام بعد العشا
أتى ردها جادا وهي تنظر أمامها
خلاص استحملي بقى الصداع طول اليوم.
تمطت بسنت بكتفيها وقالت وهي تدير محرك السيارة تمهيدا لتحريكها
دلوقتي لما أشرب القهوة هفوق.
أمرتها رفيقتها في لهجة جمعت بين الجد والهزل
طيب دوسي بنزين شوية بدل ما نتأخر على أول يوم لينا ويطردونا.
ابتسمت قليلا واستطردت وهي تهز رأسها بخفة
ماشي يا أبلة الناظرة.
تباعا توافد المشتركون في الدورة التدريبية على قاعة الدراسة وبدأوا في اختيار أماكن جلوسهم دون استباق أثرت بهاء الجلوس في المنتصف بينما فضلت بسنت الجلوس في المؤخرة لتتمكن من الإغفاء إن شعرت بالنعاس دون أن يلاحظها أحد لكنها أرغمت على البقاء مجاورة لرفيقتها لتستأنس بوجودها ولتثرثر معها في الخفاء إن اعترتها الرغبة لفعل ذلك.
رتبت بهاء ما معها من أدوات ووضعت مفكرتها على سطح طاولة مقعدها لتبدو متأهبة للبدء في أي لحظة. نظرت بأنف مرفوع للأعلى نحو محاضرهم الذي ما زال إلى الآن يوليهم ظهره وحين استدار ليطالعهم بنظرة عامة شاملة لن تنكر أنه فاجأها فبذلت قدرا من الجهد لتبدو غير متأثرة پصدمة كونه المسئول عن التدريس لها وصوت في عقلها يردد
هو الحلم اتفسر ولا إيه 
تنشط عقلها بالمشهد العبثي لحلمها غير المنطقي فراحت تقول بلا صوت
الظاهر هتعمل عجة النهاردة!
في البداية قام عمر بتعريف نفسه بعدما شبك يديه خلف ظهره ليبدو منتصبا في وقفته
مع حضراتكم الرائد عمر الناغي خريج كلية الدفاع الوطني محاضر هنا في الأكاديمية...
قال كلمته الأخيرة وهو ينظر تحديدا إلى بهاء التي خفضت من رأسها قليلا لتتحاشى نظرته المصوبة ناحيتها. سمعته يواصل الكلام بنفس النبرة الثابتة
طبعا هدي لحضراتكم فكرة سريعة عن طبيعة المكان هنا للي مش عارف منكم أهمية الدراسة في الأكاديمية دي تحديدا.
لم تقل صدمة بسنت عن رفيقتها ومع ذلك فشلت في إخفاء أثرها على

انت في الصفحة 5 من 34 صفحات