ضبط واحضار بقلم منال سالم
على أمل ألا يلاحظ ضيف ليلتها السابقة ما حل بها. التقت بها بسنت عند مدخل عمارتها على حسب الميعاد المتفق عليه بينهما تأملتها بإمعان بعدما جلست مجاورة لها
في شيء من التوتر اشتدت قسماتها وأجابت على سؤالها بسؤال آخر
قصدك مين
غمزت لها باسمة
الظابط إياه اللي علمتي عليه.
أطرقت بهاء رأسها في تحرج لتخبرها بعدئذ وهي تشد طرفي سترتها للأسفل لتفرد قماشتها
دون تفكير أعلمتها بما انتوت عليه
أيوه بفكر أعمل كده وأوضحله سوء التفاهم ده وأقوله إني مش هعمل شكوى من الأساس يعني أريح دماغي من المشاكل اللي مالهاش لازمة.
أثنت على قرارها الصائب مرددة في نبرة متحمسة
برافو عليكي أنا مبسوطة منك يا بيبو.
ابتسمت قليلا لتبدد ذلك الوجوم الذي يشيع في ملامحها قبل أن تقول
أبدت إعجابها الشديد بشخصيتها المتسامحة وهتفت تمتدحها
أومال أنا بحبك أوي ليه!
انتقلت الاثنتان بعدئذ للحديث عن مواضيع شتى متنوعة لم تخل بالطبع من التطرق في معظم الأحيان إلى ما قامت به ميرا مؤخرا من تصرفات مزعجة لكليهما ريثما تصلا إلى الأكاديمية.
إلى هناك وقرأت اللوحة المعلقة على الحائط لتعرف المتاح الذي يمكنها ابتياعه اشترت بهاء كوبا من القهوة لنفسها ومشروبا باردا لصديقتها وسارت الاثنتان معا تتحدثان في أمور عامة كانت مستغرقة في كلامها ولم تنتبه لقدم أحدهم الممتدة لعرقلتها عن قصد.
تطلعت إليه متأملة هيئته الممازحة رغم ارتدائه لثياب عسكرية من المفترض أن تضعه في موقف الالتزام والمسئولية لكنه كان على العكس تماما فاحتقن وجهها ولامته في حدة وهي تبعد القماش الملطخ عن جسدها لئلا يلتصق بجلدها فيلهبه أكثر
حضرتك مش لازم تمد رجلك 7 متر قدام علشان ترتاح في أعدتك!
تفاجأت به يهاجمها لفظيا
وقفت بسنت بينهما كالمشاهد الصامت تتابع ما يدور بينهما من شد وجذب في ترقب قلق في
أفندم يعني بدل ما تعتذر!
جاء رد ذلك الغريب صاډما للغاية
الرك على اللي بدأ الأول.
شعرت من عبارته الموحية بأنه يشير إلى شيء معين مشابه لنفس التجربة التي قامت بها قبل سابق مع عمر لإهانته فاستطردت تخاطبه لتتأكد من هذا الهاجس الذي ناوشها
نظر في عينيها وهو يخاطبها بغموض ممزوج بالسخرية
وبيقولوا عليكي ناصحة الظاهر إنك طلعتي أي كلام.
ثم أشار لها بيده لتتحرك جانبا قبل أن يأمرها
شوية كده علشان مش فاضي.
فرغت فاهها مذهولة من الموقف برمته وتبادلت مع رفيقتها الصامتة نظرات مشدوهة أتبعها
هو ده طبيعي
خفضت بسنت من عينيها لتمسك بحقيبتها وهي ترد
مش عارفة..
حركت السحاب وأضافت
وهي تفتش بتعجل بداخل الحقيبة عن شيء بعينه
ثواني أنا معايا مناديل وآ...
صوت هذا الغريب المرتفع أجبر كلتيهما على الالتفاف نحوه لتحل عليهما صدمة أخرى أكبر وقد أبصرتا أنس يضحك باستمتاع
باشا أي خدمة.
سرعان ما توهجت بشړة وجه بهاء بحمرتها الغاضبة سددت له نظرة ڼارية وصاحت في زفير محموم
هي بقت كده!!
لوح لها أنس بيده من موضع وقوفه ليستفزها أكثر ثم غادر مع ذلك الغريب لتثور دمائها أكثر أمسكت بها بسنت من ذراعها لتثبتها في
مكانها ورجتها بتوسل مرتاع
علشان خاطري بلاش مشاكل.
نفضت ذراعها عنها وهتفت في صوت شبه مخټنق جراء انفعالها المبرر
وأل إيه أنا كنت جاية أعتذر وهما مخططين ومرتبين الحكاية سوا.
استمرت في التوسل إليها حتى لا ترتكب أي حماقة
ما تزعليش نفسك يا بيبو.
أطبقت على شفتيها لتمنع نفسها من السب واللعڼ وتناولت من رفيقتها المناديل الورقية المبللة لتجفف قميصها ثم اندفعت نحو الأمام فانطلقت بسنت في إثرها تسألها
إنتي رايحة فين بس
أتى جوابها منطقيا
أكيد مش هفضل بلبسي ده ده غير أني اتسلخت من جوا.
هزت رأسها في تفهم وقالت
معاكي حق طيب هطلبلك مواصلة
ردت باقتضاب متحفز وهي لا تزال تمسح على قميصها بالمنديل المبلل
ماشي.
وقفت لمدة طويلة تحت أشعة الشمس الحاړقة وأصابع يدها تعبث في هاتفها المحمول حيث تعذر عليها العثور على سيارة مستأجرة مسبقا باستخدام تطبيق السيارات الشهير فأخذت تزوم وتنفخ في استياء محبط. لمحها عمر أثناء صفه لسيارته بمحاذاة الرصيف لفت نظره أن قميصها كان ملطخا ببقع غريبة سرعان ما خمن أنها ربما تعرضت لشيء تسبب في إفساد مظهرها الأنيق لم يترك الأمر يحيره كثيرا وترجل متجها إليها في خطوات ثابتة حتى يتمكن من الحديث معها.
رأته بهاء مقبلا عليها فانقلبت سحنتها أكثر وبدت مزعوجة للغاية من وجوده أدارت وجهها بسبب رطوبته ناهيك عن بروز استدارة مفاتنها بشكل أكثر وضوحا تحرج من نفسه لتجرؤه على رؤية ذلك ورفع بصره للأعلى متكلما كنوع من التمهيد للحوار بينهما
أخبارك إيه
لم تنظر نحوه وزفرت بصوت مسموع لتشعره بعدم رغبتها في الحديث ومع ذلك واصل سؤالها بتهذيب
إنتي واقفة هنا ليه
اسأل صاحبك.
أحس شيئا في لهجتها فتساءل بفضول
وأسأله ليه ما إنتي موجودة تجاوبيني على طول.
التوى ثغرها بتهكم قبل أن تندفع في عاصفة هجومية منفعلة
شوف حضرتك أنا أه غلطت لما خدت موقف ضدك من غير ما أتأكد إن كنت الشخص المقصود منه ولا لأ بس ما توصلش الأمور إن كل مرة أكون فيها هنا أتهزق وفي الآخر محترمة.
رغم أن كلامها كان لاذعا كالسوط إلا أنها كانت محقة في تعنيفه خاصة مع عدم إدراكها لما يبدو ظاهرا من جسدها رغم محاولتها جذب طرفي سترتها للتغطية على آثار القهوة. انزعج
مش هينفع تقفي كده قصاد اللي داخل واللي خارج من فضلك خليني أوصلك.
تراجعت خطوة للخلف ورفضت بشدة رافعة كف يدها في وجهه
شكرا كفاية عليا پهدلة النهاردة.
ثم اشرأبت بعنقها قليلا حين لمحت إحدى سيارات الأجرة العادية تتحرك في محيط المكان فرفعت من نبرتها مع ذراعها للأعلى لتنادي
تاكسي.
تنحى للجانب ليسمح لها بتجاوزه ورغم هذا بقيت أنظاره الفضولية الحائرة عليها إلى أن غادرت ليتساءل مع نفسه بضيق
إنت عملت إيه بالظبط يا أنس!
أجبره على عدم إكمال محاضرته التي من المفترض أن يلقيها على الدارسين واستدعاه إلى مكتبه ليقوم بالاستفسار منه عما حدث فكانت المفاجأة عندما علم بما حاكاه في الخفاء ودون علمه للإساءة إلى بهاء والاڼتقام منها بدافع غير مقنع له وكأنه من تعرض لمكيدتها وليس هو. أنا مقولتلكش تعمل كده ولا طلبت منك تتدخل.
على النقيض تعجب أنس من تبدل موقفه العدائي لتلك الشابة السمجة فجأة وقال ساخرا بعدما جلس في استرخاء على المقعد
ما يبقاش
قلبك رهيف...
صمت للحظة ليضيف بعدها بما استفزه
احنا بنتسلى شوية وإنت بنفسك مستقصدها.
نتسلى ترضى يتعمل كده في أختك ولا أهل بيتك
عبست ملامحه قليلا وأجابه
لأ طبعا.
جاء سؤاله لائما
أومال تقبلها ليه على بنات الناس!
تقوس فمه عن تعبير غير راض واستطرد
ما تكبرش الحكاية.
شوف يا أنس أنا حذرتك قبل كده ولتاني مرة بحذرك لو حصل إنك مسيت بهاء أو غيرها بأي أذى فأنا مش هسكت وهقفلك وساعتها هتعرف إن زعلي وحش.
بنفس البرود تعامل رفيقه مع الأمر فأخبره
يا باشا ما تخدش الحكاية على صدرك أوي كده ده كان هزار وخلص.
لم يبد متساهلا مطلقا وهو يشدد عليه موجها سبابته تجاهه
افتكر اللي قولته كويس!
أدرك من طريقته الصارمة أنه لن يمرر الأمر على خير فقال ملطفا لينجو من غضبته الوشيكة
طيب خلاص حقك عليا.
أعطاه نظرة حادة قبل أن يصحح له
مش أنا اللي المفروض تعتذرله.
برطم بصوت خفيض يعبر عن سخطه
ده اللي ناقص كمان.
مش سامعك!
تصنع الابتسام قائلا بلزاجة
ماشي يا باشا اللي تشوفه.
كان أول ما قامت به فور عودتها إلى منزلها هو الكشف عن جسدها للتأكد من مدى الضرر الذي لحق بجلدها الحساس لم يكن الأمر مبشرا خاصة مع تهيج واحمرار منطقة الصدر. الله ينتقم منك هيفضل جلدي ملتهب لفترة واحتمال يسيب أثر.
لم تجازف كثيرا وخاطبت نفسها في نبرة عازمة
لازم أروح لدكتور يكتبلي على حاجة مناسبة.
وضعت الملابس القطنية على جسدها وجمعت ثيابها غير النظيفة في كومة واحدة تمهيدا لغسلها جلست على طرف الفراش وهي تتمط بذراعيها لتستمر في معاتبة نفسها
أنا اللي غلطانة دخلت نفسي في حوارات ماليش فيها ودي النتيجة.
لتتمكن من نزعه عن القابس ثم تفقدت ما وصل إليها ما لبث أن احتل وجهها هذا التعبير المدهوش عندما فتحت بريدها لتقرأ اسمه المصحوب بصورة وجهه ضمن الرسائل المرسلة. انتصبت في جلستها ورمشت بعينيها لثوان قبل أن تهتف في صوت ذاهل
معقولة! هو باعتلي رسالة!
فركت جبينها وخللت أصابعها في خصلات شعرها المحلول لتتساءل في قدر من التحير
طب جاب حسابي منين
جاءها الجواب لحظتها فتحدثت بشيء من المنطقية
هو هيستعصى عليه حاجة!
استحثها فضولها على قراءة ما أرسله لها فقرأت بعينيها دون صوت
مساء الخير عليكي أنا عمر الناغي كنت حابب أطمن عليكي بعد الموقف البايخ اللي حصل
ظلت على حالتها المندهشة لعدة دقائق وراحت تعيد قراءة الرسالة عدة مرات لتتساءل في تخبط قد استحوذ عليها
أرد ولا أطنش
تنهدت بعمق وحسمت أمرها قائلة
ما يستاهلش أعبره بدل ما يفكر إني مصدقت.
تجاهلته وأعادت وصل هاتفها بالشاحن لتتعلق نظراتها بهذا الإطار الخشبي الذي يحوي صورة لها مع أبويها وهي في عمر أصغر أمسكت بها بعناية وتأملتها بعينين راحتا تلمعان
الله يرحمكم يا رب ويجمعني بيكم على خير.
بناء على توصيات الطبيب المتخصص مكثت بهاء في المنزل للراحة وتغيبت عن حضور تدريبها لتتجنب حدوث أي مضاعفات لجلدها الملتهب جراء احتكاكه بالأقمشة الصناعية أو غيرها من الملابس غير المريحة. اكتفت فقط بإعلام صديقتها بذلك وطلبت منها ألا
تبلغ أي شخص بسبب غيابها المړضي وإن تم تفسير الأمر بصورة غير صحيحة بأنها تفتقر للالتزام وغير منضبطة.
تحركت تجاه باب المنزل عندما سمعت قرع الجرس احتل وجهها ابتسامة بشوشة عندما رأت به
ليه التعب ده يا عمي
قال سليمان وهو يتجه إلى مكان المطبخ الذي يعرفه عن ظهر قلب ليضع فيه ما اشتراه لها
هو أنا عندي أغلى منك أجيبله الحلو كله.
ثم استدار ينظر إليها بشيء من العتاب قبل أن يخاطبها
إنتي بس لو تسمعي الكلام وتيجي تقعدي معايا أنا ومرات عمك والله هنفرح أوي.
أخبرته بعدما وضعت ابتسامة مهذبة على شفتيها
مقدرش أسيب بيت بابا وبعدين ده احنا ساكنين قصاد بعض الشقة في وش الشقة يعني مش آخر الدنيا يا عمي.
نظر إليها بغير رضا وهو يرد
برضوه أغلب الوقت أعدة لواحدك وده مضايقني ومحسسني بالذنب وإني مقصر في حقك .. ده إنتي أمانة أبوكي عندي.
حافظت على بسمتها الرقيقة
هاتفة
يا عمي ماتشلش همي أنا بخير والله.
بعد ذلك تحركت تجاه أحد دواليب