أخر الأنفاس.. بقلم منى أحمد حافظ..الجزء الاخير..

على علم بمجيئه ولدهشته رحب به شرف شقيقها فجلس أمامها يقص عليها كل شيء واستمعت إلى أعتذاره منها ووقفت ما أن أنهى حديثه وأشاحت بوجهها عنه وقالت
.. أنا اسفة يا دكتور عبد العزيز مش هقدر البي لحضرتك طلبك.
تحركت بثبات لتتفاجأ بابنتها سارا تعترض طريقها وانضم إليها عبد العزيز وتوسلها أن تمنحه فرصة آخرى وأردف
.. أرجوكي يا نعمة أديني فرصة واحدة أخيرة فرصة أحاول أصلح واصحح فيها كل حاجة غلط حصلت أرجوكي بلاش تعامليني زي ما غلطت أنا وعاملتك واغفر لي.
ټحطم سد تماسكها وفرت دموعها لتثير دهشتها فهي لا تدر لما انسكبت هكذا بتلك القوة شهقت لتوقفها وتمنعها ولكنها أبت أن تتوقف فدموعها تلك لم تكن أبدا كشبيهتها السابقة دموع الحزن والانكسار لم تكن دموع الخذلان والضعف ولم تكن أبدا دموع ندم.
بل هي دموع الرحمة التي مست قلبها لتربت عليه وتداويه دموع إجابة لدعائها بأن يرحمها الله ويرفع عنها إحساسها بالقهر يوم واجهته بمنزل مي ووقف مستمعا صامتا ومي تتشدق پشماتة وتتهمها بأنها امرأة أشبه بالرجال لا تفقه عن الحياة الزوجية وتلبية احتياجات زوجها شيئا ووقفت تتبجح أمامه بأنها أصبحت الزاهدة الشيخة نعمة التي تسللت إلى حياة زوجها وقلبه لتبلده وتحرمه كل ما طاب في الحياة.
شيء بارد لامس قلبها الآن وتنهدت بأرتياح وهي تحمد الله الذي أطال عمرها لتأتي تلك اللحظة فها هو يقف أمامها يطلب الصفح والغفران وبجانبه بناتها منكسي الرأس بخزي بعدما أفسدتهم يد زوجة ابيهم سليلة الحسب والنسب داعمة الحرية والعضوة الفعالة في النوادي والحفلات.
حدقت نعمة بحزن يفطر قلبها إلى ما ترتديه بناتها من أثمال لا تمت للثياب بشيء وأشاحت بوجهها عنهم ووقع بصرها على تلك الفتاة التي كانت العوض لها من الله عن بناتها بثياب العفة التي تخفي مفاتنها عن العين وتحفظها من طمع العيون احست نعمة ابنة شرف باحتياج عمتها إليها فاقتربت منها واحتضنتها فتشبثت نعمة بها تستمد منها قوتها تلقفت نعمة أنفاسها واستدارت لتواجه عبد العزيز وهزت رأسها بالرفض وقالت
.. للأسف الفرص أوانها انتهى من اليوم اللي وقفت فيه تتفرج على بناتك وهما بيضيعوا وسكت لدرجة إن بنتك استغنت عن وجودي وبدلتني بأم تانية أم بتحبها بجد وبتسيبها تقعد على النت براحتها وتتفرج على التليفزيون فأي وقت وعلى أي حاجة وتخرج براحتها وقت ما هي عاوزة وتلبس اللي على مزاجها أم عمرها ما كانت السبب فإني أخليك تزعق وټضرب لما بشتكي لك منها ولا من أخواتها.
صمتت وهي تحاول ابتلاع غصتها التي وقفت بحلقها تذكرها بتلك الليالي الطويلة التي جفاها النوم فيها تبكي قهرا رفض بناتها الحياة معها.
فغادرها عبد العزيز وهو خالي الوفاض واصطحب فتياته وعاد إلى منزله معها ولج منزله واغلق عليه بابه وقد عزم على استعادة نفسه وأصلاح ما فسد بحياة بناته. 
وفي منزل شرف وقف يحدق بشقيقته بعتاب فأشاحت بوجهها عنه هربا منه اقترب منها وربت فوق ظهرها بحنو وقال
.. بلاش تبقي شرف تاني يا نعمة وتضيعي حياتك فالندم وخليكي عارفة إن لو جوزك مسئول عن اللي حصل فأنت كمان مسئولة زيه مسئولة علشان محاولتيش تفهمي إن الحياة دلوقتي غير زمان وإن اللي أتربينا عليه ممكن جدا ولادنا ميقبلوش يتربوا عليه الزمن أتغير والشدة والأجبار معدتش هي التربية إنت صاحبتي بناتك بس للأسف سمحتي لنفسك تبقي صورة عن الأم المتشددة كنت بالنسبة لهم رمز للأوامر وزعيق والدهم ليهم يا نعمة افتكري إنك زمان هربتي مني لما فرضت عليك حياة إنت رفضها ومحاولتش أتكلم معاكي بخصوصها فبلاش تكرري غلطتي وأرجعي حاوطي على بيتك وخدي بناتك فحضنك صاحبيهم أكتر وشاركيهم كل حاجة إلعبي معاهم واسهري وصلي معاهم واحفظي وياهم القرآن من تاني وأخرجي وأضحكي وياهم متعمليش حاجز بينك وبينهم وإياك تبقي أنت الواجهة لكل حاجة بلاش تاخدي دور والدهم بدل منه وتقولي ربيت صح أدي لعبد العزيز الفرصة أنه يقوم بواجبه ناحيتهم.
استمعت إلى شقيقها بقلب يشتاق لماضيها ويفتقد بناتها ويبحث عن فرصة ليطرد الخۏف من داخلها وأمام نظرات التية بعيناها واضطرابها ضمھا شرف وقبل جبينها وقال
.. نعمة أنا عيزك تعرفي إن هنا بيتك ليكي فيه زي ما أنا ليا ويمكن أكتر كمان ومش هجبرك ترجعي لبيتك وبناتك لو مش عايزة وكل اللي هطلبه منك إنك تفكري كويس فكلامي وكلام عبد العزيز راجعي كل كلامه وكل اللي حصل واسالي نفسك هل هتقدري تدي نفسك فرصة تانية معاهم من غير ما تظلمي نفسك لو هتقدري يبقى ارجعي يا نعمة وابني بيتك صح ولو مش هتقدري يبقى أقعدي مع عبد العزيز ورتبي إزاي هتربي بناتك بينك وبينه علشان البنات متوهش بينكم وتضيع.
وكالماء يتدفق ليغسل عن مجراه كل شائبة تدفقت الأيام وأزالت عن النفوس ما علق بها من شوائب وأخطاء فالنبتة صالحة وأرضها خصبة رويت بتقوى الله فسهل أنقاذها
من الجفاف.
وهكذا كانت نعمة فهي الماء الذي أعاد الحياة لأسرتها صفحها عن زوجها ووصدها صفحة الماضي وبدايتها الجديدة مع بناتها كانت سببا في عودة الأمور إلى نصابها.
وكعهده عاد معها حبيبها ومرشدها أستعاد مكانته في قلبها سريعا وزرع الحب من جديد بداخلها وانبت سعادة قطفتها فتياته بعدما تعلمن درسهن جيدا فليست كل الحياة لهو ولعب وليست كلها جد وزهد قحط فالفائز من وازن أمور حياته ليعدل ويعتدل حتى وإن كانت تلك هي أخر الأنفاس.
تمت النهاية..