عيناكِ بقلم ساره
انت في الصفحة 1 من 25 صفحات
عيناك ملاذي..
كانت تسير بخطوات سريعة على رصيف أحد الشوارع العامة بينما الأمطار فوقها تتساقط بغزارة ركضت بلهفة بإتجاه إحدى العمارات السكنية وهي تفكر بأن الأمطار لن تبللها أكثر فهي لا تمتلك مظلة تقيها مياه الأمطار الغزيرة كونها ببساطة لا تملك ثمنها تنفست الصعداء أخيرا وهي تحتمي بسقف البناية العالي ربتت على خصلات شعرها المبللة تعدلها قليلا فقد تبعثرت بسبب المياه ثم سارت نحو المصعد لتتجه الى الشقة المنشودة وصلت أخيرا الى الشقة لتضغط على جرس الباب عدة مرات دون رد شعرت بالإحباط فهذه بداية غير مبشرة إطلاقا ظلت واقفة لأكثر من نصف ساعة تطرق الباب مرة وترن الجرس مرة أخرى دون رد قررت أن ترحل أخيرا فيبدو أنه لا أحد ينتظرها في الداخل ما إن تحركت من أمام الباب حتى سمعت صوتها يفتح فإستدارت بلهفة الى الخلف لتتفاجئ بشاب يقف أمامها فخفضت بصرها في الحال بينما تثائب الشاب بنعاس ثم قال لها..انت مين وعايزة ايه
قال بتذكر..آه انت جيتي طب ادخلي يلا.
افسح لها المجال لتدخل ولجت هي الى الداخل بخطوات مترددة قبل أن تسمع صوت إغلاق الباب يتبعه اقتراب الشاب منها وهو يقول بنبرة أمرة..عايزك تنظفي الشقة كلها بس قبلها اعمليلي فطار.
ثم سألها..صحيح إسمك إيه
..تالا اسمي تالا.
هز رأسه وقال بجدية..هتعرفي تعملي الأومليت يا تالا ولا أعمله أنا.
أجابته بسرعة..أعرف طبعا.
..هايل يبقى ادخلي اعمليه بسرعة عشان أنا جعان المطبخ على إيدك الشمال.
اتجهت تالا بسرعة الى المطبخ بينما جلس الشاب على الكنبة بعدما فتح التفاز وأخذ يقلب في قنواته بملل رن هاتفه فحمله ليجد والدته تتصل به فزفر أنفاسه بضيق وهو يضغط على زر الإجابة ليأتيه صوتها المتذمر..كرم أنت فين وليه مبتردش عليا.
قالت مرة أخرى ببرود..وبتعمل إيه عند أخوك... عايز تعيش هناك أنت كمان مش كفاية عليا انه سابلي البيت وراح عايز تسيبهولي انت كمان.
نظر الى الأعلى بنفاذ صبر قبل أن يقول ردا على كلامها..اطمني مش هسيبك انا بس قلت اقعد كام يوم معاه اسليه بيهم.
رد كرم بجدية..انت عارفة انه صعب يرجع معايا فملوش لزمة تطلبي مني شيء مستحيل زي ده.
قالت الأم برقة مصطنعة..معلش حاول معاه عشان خاطري نفسي أشوف ولادي حواليا قبل ما أموت.
..ايه الجو القديم ده.. ومين دي اللي ټموت ده انت صحتك أحسن من صحتي أنا شخصيا
..طيب عايزة حاجة تانية مني عشان هروح افطر.
أجابته..لا خلاص قلت اللي عندي بس خد بالك من نفسك سلام يا حبيبي.
..سلام.
قالها وأغلق الهاتف ثم رماه على الكنبه بجانبه نهض من مكانه متجها الى المطبخ ليجد تالة قد أعدت الأومليت ووضعته في أحد المواعين ليقترب منها ويقول..عملتيه بالسرعة دي
ابتسم لها وقال..ميرسي يا تالا.
تنحنت تالا قائلة بأحراج..العفو.
ثم إتجهت خارج المطبخ لتبدأ بتنظيف الشقة.
في مكان أخر وتحديدا في شركة صغيرة بعض الشيء نجد شابة جميلة تقف أمام مديرها تدون في دفترها ما يلقيه على مسامعها..توقف مديرها أخيرا عما يقوله لتهتف متسائلة..فيه حاجة تانية تحب أكتبها يا أمير بيه
أجابها أمير وهو يقلب في أحد الملفات..لا كده تمام رتبي الكلام ده وابعتي النهاردة ليهم.
..حاضر.
قالتها وهي تتجه خارج غرفة مكتبه لينظر أمير الى الباب الذي أغلقته ثم يغلق الملف الذي كان يقلب فيه ويتراجع الى الخلف مستندا بجسده على ظهر الكرسي مغمضا عينيه لثواني ما إن أغمض عينيه حتى ظهرت صورتها أمامه صورتها التي إعتاد أن يراها في أحلامه قبل واقعه صورتها التي احتفظ بها في قلبه وعقله عن ظهر قلب فتح عينيه أخيرا كمن مسه شيء وهو يحاول أن يبعد صورتها عنه فهو لا يريد أن يتذكرها على الأقل الأن فذكراها تعني ضعفه وهو بحاجة لأن يكون قويا قويا للغاية عند هذه النقطة شعر پحقد كبير على والديه اللذان تسببا له بكل هذا الۏجع والحيرة لو لم يفعلا ما فعلاه لكان الأن شخصا ثانيا سعيد وقوي بما فيه الكفاية نهض من فوق كرسيه وسار بخطوات رتيبه نحو النافذة التي تطل على الحديقة الخارجية ذات التصميم الهندسي الراقي ثلاث أعوام مرت على انفصاله التام عن والديه بل عن عائلته بأكملها ثلاث اعوام لم يتجرأ أحدا منهم ويتحدث معه او يقترب منه ثلاث أعوام مرت على تركه لهم وبنائه لمستقبله بعيدا عنهم ثلاث أعوام لم ينس بها ربى التي ما زالت تسيطر على قلبه وعقله وكأنها تأبى أن تتركهما ولو لثانيه واحدة خوفا من أن يعتادا على نسيانها