الجمعة 27 ديسمبر 2024

لم يبق لنا إلا الوداع..بقلم منى أحمد حافظ

انت في الصفحة 1 من 40 صفحات

موقع أيام نيوز

لم يبق لنا إلا الوداع بقلم منى أحمد حافظ
المقدمة..
من رحم المعاناة ولد الرجال.
وليت المعاناة خصت الرجال وحدهم ولكنها شملتنا جميعا رجالا ونساءا فالكل ولد من رحمها وعانى بشقاء.
وبقلب القاهرة عاش شهدي الرجل المكافح البسيط برفقة زوجته وابنة عمه حنة التي سقط صريع هواها منذ الصغر وسعى شهدي للوفاء بعهد حبه وتحامل على نفسه وهو بالسابعة عشر من عمره وشارك البناءون عملهم يدا بيد فجرا ومساء يراجع حسابات إحدى ورش دباغة الجلود لقد حفر شهدي الصخر بأنامله حتى وصل لمبتغاه وحقق حلمه وتزوج جنة فكانت نعم الزوجة والرفيقة والصديقة وتحملت معه شظف الحياة ولم تشتك يوما ولم تسأم من ضنكها بل اصطبرت وصبرت وأزرته ولأنهما حرما من نعمة الأخوة قررا إنشاء عائلة كبيرة فحملت جنة عاما بعد عام حتى رزقت بخمس صبايا وفتى كانوا قرة عينها وعين شهدي الذي أقسم يوم ميلاد ابنته رنا ألا يدخر شيئا في وسعه إلا وفعله ليوفر لهم حياة آمنة بعيدة البعد كله عن الفقر والعوز.

وحملتهم الحياة على أكفها سنوات ليدرك شهدي وجنة أن الحياة لا تعطي الإنسان كل شيء وإن هي أعطته شيئا حرمته من آخر فنعم هي أهدتهم العائلة الكبيرة ولكن شكلت كل فرد فيها ليكون مختلفا عن الآخر فكانت عفاف الابنة الكبرى رغم جمالها إلا أنها ولدت بلا طموح وكان أكبر أحلامها الزواج في حين كانت منار على نقيضها منذ ولدت وكلما صقلتها الأيام تمسكت بحلمها بأن تكون مهندسة مرموقة ذات شأن أما أحمد فلم يستطع تحديد هويته فتارة يسعى للعلم وتارة للهو ولكن أشد ما أحزن شهدي وسبب الألم لجنة توأمها نهلة وهالة اللاتي خيبا أملها وأصابها بالمړض حسرة على فلذات كبدها التي أفسدتها الحياة وزرعت بداخلهم خصالا لم ترها بأحد منهم مسبقا لتأت رنا صغيرتهم الرقيقة التي عافرت حتى ولدت وحبت بين خطى منار فتولت رعايتها منذ اليوم الأول لميلادها فكانت أشبه بالأم لها من الشقيقة.
ظن شهدي أن الحياة اكتفت ولكنها خيبت ظنه لتكشف له ما خبأته بجعبتها وذات ليلة وبعد شجار حاد بين زوجته وابنتيها هالة ونهلة سقطت جنة أرضا ونقلت إلى المشفى ليخبرهم الطبيب أنها تعاني فشلا حادا بعمل الكليتين وأنها بحاجة إلى استزراع واحدة بديلة وإلا باتت حياتها بخطړ وكما اعتاد شهدي سعى بحثا عن متبرع ولكنه عاد خالي الوفاض کسير الخاطر حاملا حزنه بين جنبات صدره لتوقفه ابنته منار وأخبرته عن رغبتها في التبرع لوالدتها إنقاذا لحياتها فوقف شهدي أمامها يبكي للمرة الأولى ضعفه وقلة حيلته بين ذراعيها واحتضنته منار وهونت عليه مصابه وأخبرته بأن الله لن يتخلى عنهم أبدا ليفاجأ بعفاف تخبره عن رغبتها في التبرع هي الأخرى فرافقهم إلى المشفى بوجه بشوش ليصدمه طبيبها بأن الله استرد أمانته.
كان وقع الخبر عليه صاعقا فظل أسابيع لا يعي أنها رحلت وبات يشبه الآلة يصحو فجرا ويغادر مسكنه ويعود بعد منتصف الليل ويرتمي فوق فراشه لا يدري بشيء ولم يدرك أنه أهمل فلذة كبده حتى جرت الأسابيع أشهر وتفاقم الوضع حينها وقفت عفاف ومنار أمامه وطلبا منه العودة إليهم فلن تستطع أيا منهم تحمل فقده هو الآخر فبدت كلمات بناته تدور كجرس الإنذار دوت وعلت حتى أيقظت عقله من غفلته وأعادت إليه وعيه ورشده فعكف شهدي على رعاية أبنائه وتولى من جديد مهامه وأصبح لهم الأب والأم وحققت عفاف حلمها وتزوجت بالثامنة عشر من عمرها وسافرت إلى الخارج برفقة زوجها وها هو يأزر ابنته منار بأهم منعطفات حياتها...
1 وجهان للحب.
توارت عن أعين زميلاتها وانتحت بإحدى الزوايا البعيدة ووقفت تتطلع إلى الطريق تارة وإلى ساعتها تارة أخرى بعد مرور دقائق أخرى زفرت منار بوجه متجهم وخطت بطريق عودتها إلى المنزل وهي تعاتبه سرا على حنث وعده لها وقبيل منزلها ببضعة شوارع سمعت رنين هاتفها فاختطفت نظرة سريعة لمعرفة هوية المتصل تجمدت خطواتها لرؤيتها اسمه وتلفتت حولها فرأته على بعد خطوات حينها أشار أمجد بنظراته الصامتة للهاتف فخفضت بصرها نحوه وقرأت رسالته بشيء من الحرج لإحساسها بنظرات المارة تخبرها أنهم يعلمون سرها ابتعد أمجد بشكل كاف عن محيط منزلهم وبأحد الشوارع الجانبية وقف وتطلع لملامحها التي خضبتها حمرة الخجل وأردف
حقك عليا يا منار أنا عارف أني اتأخرت عليك كتير بس صدقيني كان ڠصب عني أصل آخر محاضرة الدكتور فاجئنا وعمل لنا امتحان ويادوب خلصته وجيت لك جري.
زفرت منار وعيناها تلاحق ملامح وجهه المحببة إلى نفسها وأردفت بتفهم
ولا يهمك يا أمجد المهم أنك بخير ها طمني عملت إيه في الامتحان 
اتسعت ابتسامته وشمخ برأسه مردفا بغرور
عيب عليك لما تسأليني سؤال زي دا يا حبيبتي دا أنا أمجد المشير والأجر على الله. 
شاركته الابتسامة بحرج وأردفت
ربنا يوفقك دايما يا أمجد. 
راقب أمجد ملامحها الرقيقة وهدوئها المميز الذي

انت في الصفحة 1 من 40 صفحات